رجل الأمس الذي كان يقدم على القتل وسفك الدم في بيته لدرء العار عنه، على الشبهة والظن، ورجل اليوم الذي يتبين ويتريث حتى يأتيه اليقين بما يصح أن يدعوه إلى ما لابد له منه لكي يجري حكم التقاليد، ويحيا في قومه عزيزاً شريفاً لا يطأطأ رأسه العار ولا يذله، ولكن هذا الفارق طفيف)
قالت وقد لذها الحديث وزادها الولع بتدوين الحكايات والروايات عن تقاليدنا وعاداتنا شوقاً إلى استماع شيء جديد مما يدخل فيما خضنا فيه:
- (ألا تحدثوني بحادثة من حوادث العهد السابق لعهدكم الحديث، أسجلها إلى جانب هذه الحادثة التي سوف أستقصيها وأدونها بتفاصيلها، فإنها تغني عن كثير مما يصح أن يروى عن قوة التقاليد - على ما يسميها السيد الصحافي - وشرف العامة وغيرتهم وحرصهم على المرأة من أن تمتد إليها يد الغريب بما يشينها ويدنسها؟)
قلت:
- (أي عهد تعنين؟)
- (العهد الذي ختمته نهاية القرن التاسع عشر؛ إذ أننا نعتبر تلك النهاية آخر خيط من الليل السابق لعهد اليقظة في بلادكم، وبداية الاتصال بالعالم المتمدن)
قلت:
- (سأقص عليك قصة البطل الغيور عبد الحميد، وهي قصة لحادثة واقعة في النصف أو الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، مما حكى لنا مشايخنا من حوادث بلدنا هذا، قالوا:
نكتة سوداء من سخام القدر كانت في عمامته ذات يوم، لم يفطن إليها، وقد جاء القهوة كما كان يجيئها كل يوم، مرفوعاً رأسه على الرؤوس، مفعمة نفسه بخيلاء الفحولة وكبرياء البطولة، البطولة التي اعتلى عرشها المكين في البلد بحق، فهابه الناس على اختلاف طبقاتهم، وتناول الرواة في الأحياء أخباره في كثير من الواقع الخطيرة التي صادف والأحداث التي شهد
وكان الشطب - وهو آلة التدخين عند القوم في ذلك الزمن - المفضض الطويل في يسراه يدخن به مفكراً صامتاً ساهما، والدخان ينبعث من بين شدقيه كثيفاً
لقد قال له صاحبه أحمد العلوي، وقد لقيه في الطريق قادما من بيته قبيل ساعة: (إن وسخا