منظر السماء وجمال منظر السينما والتمثيل وجمال الحديث معاً، ولو فعلنا لارتحنا من عناء المتسولين والمتجولين وما سحي الأحذية إلا أن يصعدوا إلينا في السماء
نعمت هذا الشهر بسطح منزلنا، وأكثرت من التحدث إلى النجوم، والإصغاء إلى حديثها، وملت إلى قراءة شيء من أخبارها، فملأت قلبي حياة، وعقلي هدوءا، وأعصابي راحة
وكنت كلما شكوت من شيء بثثت شكواي إلى النجوم فتبخرت، وكلما تدنست في جو الأرض تطهرت في جو السماء، فان آلمتني السياسة بألاعيبها وخداعها، والأولاد بمضايقاتهم ومتاعبهم، والخدم برذائلهم، والبيئة بمشاكلها وصغائرها، علوت إلى السطح وانسطحت على سجادة، ووصلت أسباب ما بيني وبين النجوم فزال كل ألم، واحتقرت كل ما ضايقني، وعشت في عالم جديد لذيذ مريح، ورأيت أني غسلت نفسي كما يغسل الثوب في البحر الواسع
عظيمة هذه النجوم وجميلة وجليلة! فان رأيت نجوم المجرة وعلمت أنها تبلغ عدتها الملايين، وأنها تسير بسرعة هائلة، وأن بعض النجوم يقطع نحو ٢٤٠ كيلو مترا في الثانية، وبعضها يقطع نحو ٤١٠ كيلو في الثانية، وأن بعضها بلغ من البعد عنا ما لا يصل إلينا ضوؤه إلا في آلاف السنين، أيقنت بهذه العظمة؛ وشعرت في أعماق نفسك بحقارتك وحقارة مشاغلك وحقارة أرضك كلها - وإن علمت أن في السماء آلافاً من الشموس تكون كل شمس منها مجموعة من النجوم كمجموعتنا الشمسية، سبحت في عالم من العظمة لا حد له، وتساءلت في كثير من الحيرة والإعجاب إلى أي طريق هي مسوقة وإلى أي طريق نحن مسوقون معها؟ وقلت كما قال أبو الشبل البغدادي:
بربك أيها الفلك المدارُ ... أقصدُ ذا المسيرُ أم اضطرار
مَدارُك قل لنا في أي شيء ... ففي إفهامنا منك انبهار
وفيك نرى الفضاء وهل فضاء ... سوى هذا الفضاء به تدار؟
ثم رددت الطرف خاسئاً وهو حسير؛ ولكنها حسرة لذيذة لا ترضى بها بديلاً
أيتها النجوم. كم من الناس نظروا إليك فأعجبوا بعظمتك وجمالك وجلالك، وكم من الشعراء تغنوا بك، وتفننوا في الإشادة بذكرك، وعابوا عليك سرعتك أيام الوصال، وبطئك أو وقوفك أيام الهجران