وكم حارت فيك العقول فظنوك آلهة وعبدوك من دون الله، وأقاموا لك الهياكل والتماثيل، ثم تقدموا قليلاً فأنزلوك من مقام الألوهية قليلاً، وجعلوا لك أثراً كبيراً في أحداث الأرض، فلك أثر في الرياح والأمطار والسعادة والشقاء، وربطوا مواليد الناس بك، وجعلوا سعادتهم وشقاءهم من أجلك، وحتى الفلاسفة العظام أمثال أرسطوا أعمتهم عظمتك عن أن يدركوا حقيقتك فأسندوا إليك عقولاً كباراً وجعلوا منزلتك في الفكر والعقل فوق منزلة الإنسان، وسبحوا في الخيال فأسسوا نظاماً وهمياً للأفلاك وتدرجها في الأثر حتى تصل إلى عالمنا - وخدع الناس بك فبنيت لك المراصد لمراقبة حركتك، وأقنع المنجمون الناس بتأثيرك فسمعوا لقولهم، واتخذ الملوك المنجمين يعتمدون عليهم في تدبير مملكتهم، كما يتخذون الأطباء لتدبير أجسامهم، فلا يضعون بناء إلا بعد رصدهم لك وإشارتهم بأنك ستمنحين السعادة لبنائهم، ولا يحاربون إلا برأي رجالك وتخير أوقات رضائك
وكم شغل الناس بطوالعك، وتخيروا أوقات زواجهم محسوبة بحسابك، وتنبأوا - بمعونتك - بموت فلان وحياة فلان وأنت أنت فوق ذلك كله لا تعبئين به ولا تلتفتين إليه. كأن أمرهم لا يعنيك، وشؤونهم لا تهمك، وتتابعت الأجيال ومرت السنون، وفنيت أقوام وجدت أقوام وكلهم يمنحونك إعجابهم وأنت في علاك وسيرك وسرعتك دائبة أبداً
وأتى العلم الحديث فغير فيك الأفكار، وساواك بالأحجار، وجعل قمرك الجميل كأرضنا غير الجميلة، وسلب عنك العقل والفكر وأخضعك لنواميس الطبيعة وأبان خرافات الأقدمين فيك - ومع ذلك أقر بجلالك وأخذ بدقة نظامك، وأقر بجهله أن يحيط بك، وأن يتعرف كل قوانينك - فأنت أنت أيام الجهل وأيام العلم، وأيامنا وأيام آبائنا
وبينا أنا في ذلك كله، وفوق ذلك كله، إذا دعاني الخادم إذا دعاني الخادم إلى التلفون فنزلت من السماء إلى الأرض