- لقد تخرجت من كلية الآداب واشتغلت في عمل لا يناسبني، وماهية لا تليق بي، وأخواني كلهم خير مني، فلي سنوات لم آخذ علاوة ولم أرق إلى درجة
- نعم
- والآن هناك حركة ترقية وأريد مساعدتك
ثم حوار طويل، ورجاء مستمر، وشكوى بؤس، وعائلة يعولها، وماهية لا تكفيها، ودنيا ضاقت به وبها
في أي تفكير كنت، وإلى أين صرت، هذه السماء وهذه الأرض، أين هذا العالم العظيم السعيد الذي كنت أحلم به من هذا العالم الحقير التافه الذي نقلني إليه التلفون والذي يمضي فيه أكثر الناس أكثر أعمارهم، لقد غطسني بحديثه في ماء مثلج، فلأصعد ثانية إلى السماء ولأعاود ما كنت فيه. . . لا - لم تعد للفكر لذته ولا حديث النجم متعته
لقد قلب علم الفلك عقلية الإنسان رأسا على عقب، فقد كان يظن أنه سيد العالم، وأن أرضه هذه هي مركز العالم، وأن الشمس والقمر والنجوم تدور حولها فأبان له العلم أن أرضه ليست إلا هنة تسبح في الفضاء، وأنها شيء تافه في المجموعة الشمسية التي تدور حول الشمس، وأن كل العالم من أرض ونجوم خاضعة لقوانين واحدة كقوانين الجذب وما إليها، وأنه إن كانت أرضه هنة فكيف به هو - كل هذا غير عقلية الإنسان وأنزله من شامخة وسلبه غروره فأخذ يفكر تفكيراً جديداً وينظر لنفسه وللعلم نظراً جديداً ويربط نفسه بالعالم، ويرى أنه هو والعالم وحدة، وأن هذه الوحدة تخضع لقوانين ثابتة استكشف أقلها وغاب عنه أكثرها، ما استكشف منها يدل على عظمة باقيها وعمومها وسيطرتها - ولكن شيئا واحدا لم يتغير في الإنسان وهو ارتباط عواطفه بالنجوم، وأنها تجد السبيل دائما لقلبه، وتوحي إليه بعظمة ربها وربه