للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بأزهاره تشم ولا ترى؟ وإنه ليجعل الزمن نفسه عبقاً بريحه وانه ليفعم كل ما حوله طيباُ وانه ليسحر النفس فيتحول فيها. . .

وهنا ضحكت وقطعت علي الكلام قائلة: يظهر لي أن (عطر كذا) هاجرا أو مخاصم. . .

قلت: كلا، بل خرج من الدنيا وما نتشقت أرجه مرة إلا حسبته ينفح من الجنة

فما أسرع ما تلاشى من وجهها الضحك وهيئته، وجاءت دمعة وهيئتها. ولمحت في وجهها معنى بكيت له بكاء قلبي

جمالها، فتنتها، سحرها، حديثها، لهوها؛ آه حين لا يبقى لهذا كله عين ولا أثر، آه حين لا يبقى من هذا كله إلا ذنوب وذنوب، وذنوب

وأردنا أنا و (ح) بكلامنا عن الحب وما إليه ألا نوحشها من إنسانيتنا، وأن نبل شوقها إلى ما حرمته من قدرها قدر إنسانة فيما نتعاطاه بيننا. والمرأة من هذا النوع إذا طمعت فيما هو أغلى عندها من الذهب والجوهر والمتاع - طمعت في الاحترام من رجل شريف متعفف، ولو احترام نظرةٍ، أو كلمة. تقنع بأقل ذلك وترضى به، فالقليل مما لا يدرك قليله هو عند النفس أكثر من الكثير الذي ينال كثيره

ومثل هذه المرأة، لا تدري أنت أطافت بالذنب أم طاف الذنب بها؟ فاحترامها عندنا ليس احتراما بمعناه، وإنما هو كالوجوه أمام المصيبة في لحظة من لحظات رهبة القدر وخشوع الإيمان

وليست امرأة من هؤلاء إلا وفي نفسها التندم والحسرة واللهفة مما هي فيه، وهذا هو جانبهن الإنساني الذي ينظر إليه من النفس الرقيقة بلهفة أخرى، وحسرة أخرى، وندم آخر. كم يرحم الإنسان تلك الزوجة الكارهة المرغمة على أن تعاشر من تكرهه فلا يزال يغلي دمها بوساوس وآلام من البغض لا تنقطع! وكم يرثى الإنسان للزوجة الغيور، يغلي دمها أيضاً ولكن بوساوس وآلام من الحب! ألا فاعلم أن كل امرأة من مثل هذه الحسناء تحمل على قلبها مثل هم مائة زوجة كارهة مرغمة مستعبدة، يخالطه مثل هم مائة زوجة غيور مكابدة منافسة، ولقد تكون المرأة منهن في العشرين من سنها وهي مما يكابد قلبها في السبعين من عمر قلبها

وهذه التي جاءتنا إنما جاءتنا في ساعة منا نحن لا منها هي، ولم تكن معنا لا في زمانها

<<  <  ج:
ص:  >  >>