وتعده شيئاً غير الرمل وشيئاً غير المصيف منذ تسع سنوات، فثم منازل أنيقة على شاطئه الجميل، وهذه أفواج تختص (البلاج) بخير ساعاتها، وأفواج أخرى تسارع بسيارتها تتصيد المقاعد الخالية فيما انتثر فيه من مقاهٍ ومجالٍ للسرور
وإذا نظرت إلى (الربوع) وجدتها ... تَشقي كما تَشقى العباد وتسعد
أما يوم نزلنا سيدي بشر فلم يكن به غير ثلاثة أبنية وبضعة حوانيت في بناء مستقل - ولم يكن في الجيرة ما ينغص إلا تلك الأكشاك الخشبية وقد صفت على نظام في أجمل بقعة تشرف على شاطئه، وقد خصصت لأسر الضباط الإنكليز يقوم على حراستها نفر من أولئك الذين استحلوا الكل فلم يعفوا عن الأجزاء
ولم يكن للإنجليز أن يختاروا إلا خير البقاع، وأحسن المواقع، فهذه النقطة السوداء شهادة لسيدي بشر بامتيازه
وقد استتبعت هذه الجيرة الممضة أن يأوي إلى الجوار نفر من أخلاط الدخلاء يبيعون الجنود الخمور وأخرى الحاجات، يبجلونهم ويختصونهم بخير ما حوت حوانيتهم حتى ليمنعون المصري ما يطلب بأي ثمن
ولم تكن الحراسة بين المصريين عبئاَ ولا ذات مشقة، فهؤلاء الحراس يودعون كرم الخلق المصري: العرض والحياة والمال. وينفقون ليلهم في تلك الحوانيت يشربون إلى السكر، ويسهرون إلى الصبح
بعد أسبوعين، وفي ليلة واحدة انعكست الآية وسمعنا بمختلف الرطانات إشادة بالخلق المصري والكرم المصري والنبل الوطني بين الجزع والفزع مما حدث، فقد استطاب الجند الضيافة، وأساغ الشرب ما لا يسوغ، وذاق المحتفون من الأخلاط بعض آثار الاحتلال في عتادهم وفي أنفسهم، وشهدنا آية الصبر في لحظة، وكسبنا للقضية الوطنية أنصاراً حتى بين الأقداح وفي أحقر الحوانيت
ومن صحب الدنيا طويلاً تقلبت ... على عينه حتى يرى صدقها كذباً
سألني بكر أولادي ذات صباح لمن هذه الأرض التي يقوم عليها (الكامبو)؟ قلت للبلدية. قال وما هي البلدية؟ أجبت تقريبا للمعنى من ذهن الطفل: هي للحكومة. قال وهل يؤدون أجرتها كما أدينا للخواجه (لافرلا)؟