فأعتذر وتملص، فما نجا ولا تخلص، وكيف يتملص مني وقد كنت كالغريق وجد سفينة النجاة، أفيدعها بعدما وجدها؟ فأجاب على كره وسار وأنا أتبعه، والبحر ينشق له كأن بيده عصا موسى. . . وما للناس لا يتفرقون من بين يديه حذرين خائفين، وهو سكرتير الملك؟ حتى إذا بلغ بي درج القصر عاد لشأنه وتركني، فصعدت فلم أجد مكاناً أقف فيه، ووجدت الغرف كلها ملأى بالموظفين والمقربين والحاشية فقادوني إلى غرفة فخمة أعدت للأمير فيصل (ابن الملك ونائبه على الحجاز) ولأهل البيت: بيت الملك
ولم لا يفعلون وأنا ممن يكتب في الصحف، والإكرام إنما يكون لمن يكتب في الصحف، أو يملك سبيلاً من سبل الدعاية، والحذر إنما يكون من هؤلاء. فذكرت قالون وزير لويس السادس عشر، حين رأى أن خير طريقة لتقوية الحكومة الضعيفة، وإغناء الخزانة الفقيرة، أن تقيم الحكومة الولائم الفخمة وتنفق الأموال الطائلة، تشتري ألسنة المادحين، وأقلام الكاتبين حتى يقال: إنها غنية. . فقالوا: إنها غنية، لأنهم أكلوا خبزها ولكن الخزانة قالت: إني فقيرة! وقال التاريخ: إن قالون رقيع. . .
وقفت في النافذة بين فتية من آل البيت؛ فيهم ابن للأمير فيصل في نحو الثانية عشرة من عمره، ما رأيت في لداته أثقب منه ذهناً، ولا أصح جواباً، ولا أحد ذكاء؛ وأطللت على الناس، وإذا هم أخلاط من كل جنس ولغة وزي، فمن رجل عباية على رأسه عقال أسود على صماد أحمر قد التحف بعباية رقيقة على ثوب أبيض، وقد حلق لحيته كلها إلا نقطة واحدة من العثنون، وهلالاً دقيقا من تحتها، نما فيه صف واحد من الشعر كأنما هو مروحة تدلت على صدره: سنة يتبعونها ما أنزل الله بها من سلطان. . . وهذا هو النجدي
ومن رجل يلبس ثوباً رقيقاً فوقه رداء قصير (جاكيتة) من قماش هفهاف، وعلى رأسه قلنسية (طاقية) بيضاء، إذا مشى في الشمس تعمم عليها بملحفة بثقل الفراش، يتقي بها شمس مكة الحادة المخيفة وهو حليق اللحية صغير الشاربين. . . وهذا هو الحجازي
ومن رجل وسخ الثياب، ممزقها، لا تدري عن ثيابه ما لونهما وما هي، وعلى رأسه حبل قد وضعه مكان العقال. . . وهذا هو الأعرابي