الأخطل الأنصار بالفلاحة واللؤم والخمر، وفضل عليهم قريشاً في قصيدته الرائية، وكاد يشفى من ذلك على الخطر لولا عون يزيد؛ وبالغ الأمويين في إيثاره وإكرامه، وأمعن هو في النفح عنهم، فناضل الزبيريين بعد الأنصار، وصمد إلى القبائل القيسية فهتك عنها حجاب الشرف قبيلة قبيلة بقصيدته التي مطلعها:
ألا يا اسملي يا هندُ هندَ بني بكر ... وإن كان حيَّاناً عِدَي آخر الدهر
لمناصبته الأمويين العداء من جهة، ولا قتحامها الجزيرة على قومه من جهة أخرى، ثم ختم حياته بممالأة الفرزدق ومهاجاة جرير. والأخطل وإن كان شديد التمسك بنصرانيته، على وثيق صلاته بالخلفاء، لم يشذ عن طبيعة العرب في التدين، فقد قال الأب لامنس في فصل كتبه عنه:(إن أثر النصرانية في دين الأخطل ضئيل، ونصرانيته سطحية ككل العقائد الدينية عند البدو)، فهو يدمن الخمر في حمى الدين، ويكثر الهجاء في حمى الخليفة، ويهاجم القبائل في حمى تغلب؛ ولكن هجاءه كان عفيف اللفظ لا يركب فيه متن الشطط ولا يتجاوز به حدود الخلق
وأبو فراس همام بن غالب الفرزدق الدرامي ثم التميمي نشأ كذلك بالبصرة على قول الهجاء مع شرف أسرته وغنى قبيلته وعزة نفسه؛ فكان يهجو بني قومه لحدة طبعه وشراسة خلقه، فيشكونه إلى أبيه فيضربه؛ ثم لج في هجاء الناس حتى استعدوا عليه زياداً والي العراق لمعاوية، فطلبه ففر منه في مدن العراق وقبائله، ثم لجأ إلى المدينة واستجار بواليها سعيد بن العاص من زياد فأجاره؛ فلما مات زياد عاد الشاعر إلى وطنه فساهم فيما وقع فيه من حروب وفتن بعد موت معاوية ويزيد، حتى مني بمهاجاة جرير فشغلت وملأت عمره وصقلت شعره، وظلت هذه المهاجاة أربعين سنة ونيفاً كان منها للناس مشغلة، وللوسواس مهزلة، وللأدب العربي ثروة ضخمة من الشعر لا تخلو على سفاهتها وبذاءتها من حكمة. وكان جرير بن عطية الخطفي التميمي قد قال الشعر كصاحبه في الحداثة الباكرة، وقاله مثلها في الهجاء، ولكنه بدأ بالرجز على نحو ما يكون من الرعاة وهو منهم. وكان خمول عشيرته وضعة أسرته وفقر أبيه وحدة خلقه من العوامل التي ساعدت الطبع على نبوغه في الشعر وتفوقه في الهجاء؛ وكان أول من نازله وأفحمه غسان السليطي حين هجا قومه، فاستغاث السليطي بالبعيث فأغاثه وهجا جرير، فنقض جرير قوله بالهجاء