للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنما حربهم هزل، ونفيرهم مكاء، وعزمهم تلفيق. أو كأنما ملأو الدنيا وعيد لتمتلئ عليهم سخرية وضحكاً!

كبر على برتسيلوس ألا يكون هو شهيد هذا الموقف فارتخص نفسهن وهانت عليه الحياة، وتفهت في عينيه لذائذ هذا العيش الذليل؛ ثم استخار أربابه، واستعاذ بسيد الأولمب وما هو إلا أن لمح الشمس يذر قرنها في خدر الشرق، فوق جبين طروادة، حتى قذف بنفسه على الشاطئ، وأرسل في الخافقين صيحة الحرب كأنها رعد يميد به جانب الجبل، وتهم من قصفه أسوار المدينة؛ ثم جال جولة هنا وجولة هناك، وإذ بالسهام ترشقه من كل مكان، وإذا هو ملقى على أديم الثرى مضرجاً بدمه، معفر بأول نقع الوغى

رحلة من الدار الآخرة

وذاع خبر مقتله حتى انتهى إلى تساليا، حيث زوجته المفجعة، فحزنت عليه حزناً أمض قلبها، وشف جسمها، وأقض مضجعها، وصير الحياة في عينيها حلكاً شديداً وظلاماً قائماً؛. . . . (برتسيلوس! أهكذا يا حبيبي ذكرت كل شيء في ميدان المجد والشرف، ونسيت فيه كل شيء؟ أهكذا يا حبيبي ذكرت التضحية والأقدام حين تخاذل مواطنوك عن مواطن التضحية والأقدام، فغامرت بنفسك في هذا المعترك المضطرب، ونسيت أن ورائك قلباً ينعقد رجاؤه بك، ونفساً ترف من خلف البحار فوقك، وروحاً لا سكن لها إلا صدرك الحنون، وعينين لا يعرفان جمال الحياة إلا في وجهك المشرق، وأذنين ما التذتا إلا الموسيقى المنسكبة من فمك!! برتسيلوس! ما قيمة الحياة بعدك يا حبيبي! من لزوجتك التعسة يوم يفخر النساء بأزواجهن؟ من للمحزونة الكاسفة لاؤوداميا؟ ما أشق الحياة علي بعدك يا رجلي ومن كنت كل شيء لي!

لا أسخط عليكم يا أربابي!

بل أنا أصلي لكم، أصلي لكم بدموعي وقلبي! أصلي لكم بأحشائي التي تتمزق، ورأسي الذي يحترق! أصلي لكم بلساني الذي يجف من شرق في حلقي، وكان حديث برتسيلوس يرطبه وينديه! أصلي لكم يا أرباب الأولمب عسى أن تلين قلوبكم لي، فأرى حبيبي وأموت!!

رجية يسيرة على مقدرتكم يا أرباب الأولمب! إما أن أقضي فأستريح من هذا الكمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>