الكتاب والشعراء يسرفون على قرائهم ويكلفونهم شططاً، فهم يغضبون إن لم يقرأهم الناس، وهم يغضبون إن قرأهم الناس، ونالوهم بشيء من النقد ولو خفيفا. ولقد أتردد أحيانا في أن أقرأ الكتاب أو الديوان يرسله إلي صاحبه، لأني واثق باني قد أرى فيه غير ما يحب الكاتب أو الشاعر. فان سكت عنه أثمت في حق الأدب وفي حق نفسي، ولم يرض مني صاحب الكتاب أو الديوان بهذا السكوت، وان قلت ما أرى فتحت بابا من أبواب الجدال ليس إغلاقه بالأمر اليسير، ولعله لا يغلق الا على كثير من الموجدة. قالت: هذا اعوجاج في أخلاق الأدباء كنا ننكره على شيوخنا المتقدمين، وكنا نقدّر أن أدباء الحيل الحديث سيقومونه في أنفسهم والناس، فاخلفوا الظن، وكذبوا الرأي، وأصبحوا خليقين أن يقومهم المقومون سواء أرضوا بذلك أم كرهوه. فهمّ أن يتكلم، ولكنها مضت في الحديث قائلة: على انهم لا يضيقون بالنقد فحسب، ولكنهم يتهالكون على الثناء فما أشد ثورتهم على الناقدين! وما أحسن لقائهم للمقرظين! قال ومع ذلك: فإني اتهم كل مقرظ، وأسيء الظن بكل تقريظ، واعتقد اعتقاد الموقن أن النقد مهما يشتد ومهما يسرف صاحبه فهو أنفعوأجدى. لأن الكاتب إلى أن يعرف عيوبه ويتبين مواضع الضعف في آرائه وألفاظه وأساليبه، أحوج منه إلى أن يقال له أحسنت حين يحسن، وأصبت حين يصيب.
ومر فتى لم يبلغ السادسة عشرة، صبيح الوجه رث الزي حافي القدمين يحمل سلة فيها باقات من زهر، فوقف على الصديقين وقدم إليهما أزهاره. قال الصديق لصاحبته: اختاري. قالت أليس من الاختيار بد؟ قال الفتى لا بد من ذلك يا سيدتي فإني في حاجة إلى العشاء. هنالك اضطرب بصرها بين باقتين في إحداهما ورد، وفي الأخرى قرنفل. قال الرجل للغلام: ضع هاتين الباقتين، ثم التفت إلى صاحبته وهو يقول: أما أنا فأحب لثم الورد وشم القرنفل.