إلى ملكة سامية في إدراك معاني الجمال، فيكون الوجه المعشوق مصدر وحي للنفس العاشقة. وبهذا الوحي والاستمداد منه ينزل المحب من المحبوب منزلة من يرتفع بالآدمية إلى الملائكة ليتلقى النور منها فنا بعد فن، والفرح معنى بعد معنى، والحزن السماوي فضيلة بعد فضيلة
فهذا الحب هو طريقة نفسية لاتساع بعض العقول المهيأة للإلهام كي تحيط بأفراح الحياة وأحزانها، فتبدع للدنيا صورة من صور التعبير الجميلة التي تثير أشواق النفس. كأن كل محب وحبيبته من هؤلاء الملهمين، هما صورة جديدة من آدم وحواء، في حالة جديدة من معنى ترك الجنة، لإيجاد الصورة الجديدة من الفرح الأرضي والحزن السماوي
والخطر في الحب ألا يكون فيه خطر. . . . فهو حينئذ نداء الجنس، لا يكون إلا دنيئا ساقطا مبذولا فلا قيمة له ولا وحي فيه، إذ يكون احتيالا من عمل الغريزة جاءت فيه لابسة ثوبها النوراني من شوق الروح لتخدع النفس الأخرى فيتصل بينهما، حتى إذا اتصل بينهما خلعت الغريزة هذا الثوب واستعلنت أنها الغريزة فانحصر الحب في حيوانيته وبطلت أشواقه الخيالية أجمع
قال الراوي: وعرفت الحسناء هذا كله من عرضها نظرة وتلقيها نظرة غيرها، فقالت للأستاذ (ح): أما أن يكون مع أثر الشعر والفكر في الجمال ودعوى الحب أثر الزهد في الجسم الجميل وادعاء الفضيلة - فان بعيدا أن يجتمعا
قال (ح): وأين تبعدينه ويحك عن هذه المنزلة؟ إني لأعرف من هو اعجب من هذا
قالت: وماذا بقي من العجب فتعرفه؟
قال: أعرف رجلا متزوجا أحب أشد الحب وأمضه حتى إستهام وتدله، فكان مع هذا لا يكتب رسالة إلى حبيبته حتى يستأذن فيها زوجته كيلا يعتدي على شيء من حقها. وزوجته كانت أعرف بقلبه وبحب هذا القلب، وهي كانت أعلم أن حبه وسلوانه إنما هما طريقتان في الأخذ والترك بين قلبه وبين المعاني، تارة في سبيل المرأة وجمالها، وتارة من سبيل الطبيعة ومحاسنها
فتنهدت وقالت: يا عجبا! وفي الدنيا مثل هذا الزوج الطاهر، وفي الدنيا مثل هذه الزوجة الكريمة؟