ثم إنها وجمت هنيهة تجتمع في نفسها اجتماع السحابة، ثم استدمعت، ثم أرسلت عينيها تبكي. فبدرت أنا أرفه عنها حتى كفكفت من دمعها، وكأن (ح) قد وخزها في قلبها وخزة أليمة بذكره لها الزوجة، ثم الزوجة الطاهرة، ثم الطاهرة حتى في وسوسة شيطان الغيرة. ارتفعت ثلاث مرات بالزوجة، لترى هذه المسكينة أنها سافلة ثلاث مرات، وكأنه بهذا لم يكلمها بل رسم لها صورتها في عيشها المخزي وقال لها: انظري. . . . .
ويا ما كان أجملها يترقرق الدمع في عينيها الفاتنتين الكحيلتين فيبث منهما حزنا يخيل لمن رآه، أنه من أجلها سيحزن الوجود كله
ليس البكاء من هاتين العينين بكاء عند من يراه إذا كان من العاشقين، بل هو فن الحزن يضع مجالا جديد في فن الحسن. وأكاد أعجب كيف وجد الدمع مكانا بين المعاني الضاحكة في وجهها - لو لم يكن هذا الدمع قد جاء ليظهر على وجهها الفن الآخر من جمال المعاني الباكية
وسألتها: ما الذي خامر قلبك من كلام الأستاذ (ح) فأبكاك، وأنت كما أرى يتألق النور على جدران المكان الذي تحلين به، فيظهر المكان وكأنه يضحك لك؟
فتشككت لحظة ثم قالت: أبك ما تقول أم أنت تتهكم بي؟
قلت: كيف يخطر لك هذا وأنا احترم فيك ثلاث حقائق: الجمال، والحب، والألم الإنساني؟
قالت: لا تثريب عليك، ولكن صور لي ببلاغتك كيف أحببتك وأنت غير متحبب إلي، وكيف جادلت نفسي فيك وداورتها عنك، وكلما عزمت انحل عزمي؟ فهذا ما لا أكاد أعرف كيف وقع، ولكنه وقع، هذه قطرة من الماء الصافي العذب فضع عليها (المكرسكوب) يا سيدي وقل لأي ماذا ترى؟
قلت: إنك تخرجين من السؤال سؤالا. فما الذي خامر قلبك من كلام (ح) فبكيت له؟
قالت: إذن فليست هي قطرة من الماء بل تلك دمعة من دموعي، فضع عليها المكرسكوب يا سيدي
قال الراوي: وكانت حزينة كأنها لم تسكت عن البكاء إلا بوجهها وبقيت روحها تبكي في داخلها. فأراد الأستاذ (ح) أن يستدرك لغلطته الأولى فقال: إنك الآن تسألينه حقا من حقوقك عليه، فكل امرأة يحبها هي عروس قلمه ولها على هذا القلم حق النفقة. . . . . .