فضحكت نوعا ظريفا من الضحك الفاتر كأنما ابتكره ثغرها الجميل لساعة حزنها، ونظرت إلي. فقلت: إن كان الأمر من نفقة العروس على قلم فما أشبه هذا (بلا شيء) جحا
فضحكت أظرف من قبل، وخيل إلي أن ثغرها انطبق بعد افتراره على قبلة أفلتت منه فأمسكها من آخرها. . .
ثم قالت: ما هو (لا شيء) جحا؟
قلت: زعموا أن جحا ذهب يحتطب، وحمل فوق ما يطيق، فبهظه الحمل وبلغ به المشقة، ثم رأى في طريقه رجلا أبله فاستعان به، فقال الرجل: كم تعطيني إذا أنا حملت عنك؟ قال: أعطيك (لا شيء). قال: رضيت
ثم حمل الأبله وانطلق معه حتى بلغ الدار، فقال: أعطيني أجري: قال جحا: لقد أخذته. واختلفا هذا يقول أعطني، وهذا يقول أخذت؛ فلببه الرجل ومضى يرفعه إلى القاضي، وكانت بالقاضي لوثة وعلى وجهه روأة الحمق تخبرك عنه قبل أن يخبرك عن نفسه. فلما سمع الدعوى قال لجحا: أنت في الحبس أو تعطيه (اللا شيء). . .
قال جحا في نفسه: لقد احتجت لعقلي بين هذين الأبلهين؛ ثم أنه أدخل يده في جيبه وأخرجها مطبقة، وقال للرجل: تقدم وافتح يدي. فتقدم وفتحها. قال جحا: ماذا فيها؟ قال الرجل:(لا شيء)
فقال له جحا: خذ (لا شيئك) وامض فقد برئت ذمتي
قالوا: فذهب الرجل يحتج، فقال له القاضي: مه؟ أنت أقررت أنك رأيت في يده (لا شيء) وهو أجرك؛ فخذه ولا تطمع في أزيد من حقك. . .
وضحكت وضحكنا، ثم قالت: أنا راضية أن أكون عروس القلم، فلجر علي القلم نفقتي، وليصور لي كيف أحببت، وكيف آمرت نفسي وجادلتها؟
قلت: لا أتكلم عنك أنت ولا أستطيعه. بيد أنني لو صنفت رواية يكون فيها هذا الموقف - لوضعت على لساني العاشقة هذا الكلام تحدث به نفسها
تقول: كيف كنت وكيف صرت. لقد رأيتني أعاشر مائة رجل فاخلطهم في شتى أحوالهم وأصرفهم في هواي وكلهم يجهد جهده في استمالتي، وكلهم أهل مودة وبذل، وما منهم إلا جميل مخلص قد أنق وتجمل وراع حسنه كأنما هرب إلي في ثياب عرسه ليلة زفافه وترك