من أجلي عروسا تبكي وتصيح بويلها. ثم أنا مع ذلك مغلقة القلب دونهم جميعا أصدقهم المودة والصحبة، وأكذبهم الحب والهوى؛ فلست أحبهم إلا بما أنال منهم ولست أتحبب إليهم إلا ما أنولهم مني، وهم بين عقلي وحيلتي رجال لا عقول لهم، وأنا بين أهوائهم وحماقاتهم امرأة لا ذات لها
ثم أرى بغتة رجلا فردا فلا أكاد أنظر إليه وينظر إلي حتى يضع في قلبي مسئلة تحتاج إلى الحل. . .
وأرتاع لذلك فأحاول تناسيه والإغضاء عنه، فتلج المسئلة في طلب حلها وتشغل خاطري وتتمدد في قلبي وهو هو المسئلة. . .
فأفزع لذلك وأهتم له وأجهد جهدي أن أكون مرة حازمة بصيرة كرجال المال في حق الثروة عليهم، ومرة قاسية عنيدة كرجال الحرب في واجبها عندهم، ومرة خبيثة منكرة كرجال السياسة في عملها بهم؛ ولكني أرى المسئلة تلين لي وتتشكل معي وتحتمل هذه الوجوه كلها لتبقى حيث هي في قلبي فانه هو هو المسئلة. . .
وأغتم لذلك غما شديدا وأراني سأسقط بعد سقوطي الأول وأقبح منه، إذ الحياة عندنا قائمة بالخداع وهذا يفسده الإخلاص؛ وبالمكر وهذا يعطله الوفاء، وبالنسيان وهذا يبطله الحب. وإذ عواطفنا كلها متجردة لغرض واحد هو كسب المال وجمعه وادخاره، وفضيلتنا عميلة لا تتخيل، حسابية لا تختل، فيستوي عندنا الرجل بلغ جماله القمر في سمائه، والرجل بلغت دمامته الذباب في أقذاره؛ والحب معنا هو كم في كم ويبقى ماذا. . . أو كما يقول أهل السياسة هو (النقطة العملية في المسئلة). ولكن المسئلة التي في قلبي لا ترى هذا حلا لها، لأنه هو هو المسئلة. . .
فيزيد بي الكرب، ويشتد علي البلاء وأحتال لقلبي، وأدبر في خنقه وأذهب أقنعه أن الرجل إذا كان شريفا لم يحب المرأة الساقطة إذ يعاب بصحبتها والاختلاف إليها، فإذا كان ساقطا لم تحبه هي، فإنما هو صيدها وفريستها وموضع نقمتها من هذا الجنس، وأسرف على قلبي في الملامة والتعذيل فأقول له: ويحك يا قلبي! إن المرأة منا إذا تفتح قلبها لحبيب تفتح كالجرح لينزف دماءه لا غير، فيقتنع القلب ويجمع على أن ينسى وأن يرجع عن طلبه الحب؛ وأرى المسئلة قد بطلت وكان بطلانها أحسن حل لها، وأنام وادعة مطمئنة، فيأتي