وهب القصائدَ لي النوابغُ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
ثم يمضي يعدد الشعراء الفحول ويقول:
دفعوا إليَّ كتابهن وصية ... فورثتهن كأنهن الجندل
فيجيبه جرير:
أعددت للشعراء سماً ناقعاً ... فسقيت آخرهم بكأس الأول
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وصغى البعيث جدعت أنف الأخطل
حسب الفرزدق أن يسب مجاشعاً ... ويعد شعر مرقش ومهلل
فأنت تلاحظ أن جرير يرغب في الطريق السهل، ويطفئ حرارة الجد ببرودة الهزل، ويقابل الكمي الهاجم في سلاحه ولأمته، وهو في ثوب المهرج وبزته وضحكته
ولجرير قدرة بارعة على تتبع الخصم في حياته الخاصة والعامة، فيتسقط أخباره ويتلقط حوادثه، ثم يعلنها في شعره تشهيرا به وفضيحة له:
يتزوج الفرزدق من حدراء بنت زيق بن بسطام على حكم أبيها، فيقول جرير:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق
أنكحت ويلك قيناً في استه حمم ... يا زيق ويحك هل بارت بك السوق
يا رب قائلة بعد البناء بها: ... لا الصهر راضٍ ولا ابن القين معشوق
فيقبل أهلها عليه ويقولون له: ماتت، كراهة أن يهتك أعراضهم جرير، فيأبى جرير إلا أن يعلن الحقيقة في قوله:
وأقسم ما ماتت ولكنما التوى ... بحرداء قوم لم يروك لها أهلا
ويعبث الفرزدق في المدينة عبث الشباب، ويعترف بذلك في قوله:
هما دلتاني من ثمانين قامةً ... كما انقض باز أقتم الريش كاسرهُ
فيقول له جرير:
تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصرت عن باع العلا والمكرم
ويضرب الرومي في حضرة سليمان بن عبد الملك فينبو عنه سيفه فيقول له جرير:
بسيف أبي روغان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ومثل هذه الأخبار لطرافتها وجدتها تعلق بالنفوس وتسير على الألسنة، كصحف الأحزاب