إن الأنانية في صعودها إلى فروع العلى، وبلوغها إلى رفعة الكمال حيث تتمتع بفردية كاملة بنيل زلفى الأنانية العظمى لابد أن تجتاز ثلاث مراحل: مرحلة الخضوع للشريعة، ومرحلة ضبط النفس وهي الصورة العليا للشعور الذاتي، ومرحلة الخلافة الإلهية
ففي مرحلة الخضوع يفسر لنا إقبال أنه للتقدم لابد من مسلك يسلك، ومن مشروع يورد، ومن قانون يخضع له. لذلك كل من يصبو لمعارج الكمال، ويطمح إلى سنام المجد ينبغي له أن يطيع الشريعة. وفي بيان مرحلة ضبط النفس يقول إقبال إن النفس الإنسانية لأمارة بالسوء، فهي معجبة بذاتها، أبية، عنيدة، لا تهتم إلا بأمر نفسها. لذلك هي محتاجة إلى الضبط والتهذيب. فخير طريق لذلك هو إقامة أحكام الشريعة. فالصلاة تنقذها من الفحشاء والمنكر، والصوم يقتل غلمتها وترفها، والحج يذيقها لذة الهجر ويخفف عنها سلطان الحب للوطن ويضمها إلى الاجتماع الإسلامي العام فيجعلها تشعر بجنسية الإسلام، والزكاة تبيد حبها للمال وتعلمها المساواة
أما الخلافة الإلهية فهي النهاية القصوى للتقدم الإنساني على سطح الأرض، هي الأنانية الكاملة والغاية العليا للإنسانية، وقمة الحياة من حيث العقل والجسم. ففيها يتحول تشتت الأفكار في الحياة الذهنية واختلافاتها وتنافرها إلى التناسق والتوافق، فتقدر حينئذ على حل جميع العقد المنيعة المطلب والصعبة المرام. هي ملتقى الكمال للعلم والقوة، ونقطة الاتصال بين الفكر والعمل، والعاطفة والعقل. ومن استحقها كان آخر ثمرة لدوحة الإنسانية، وظهوره يبرر جميع آلام الارتقاء ومحنه لأنها كانت قائمة لأجله. هو يكون حاكما حقيقيا على البشر وحكومته تكون حكومة إلهية على الأرض. هو يسبغ من خصب طبعه على الآخرين بحبوحة الحياة ويقربهم إلى نفسه فكلما يتقربون إليه تتدرج حياتهم في مدارج التقدم والكمال
إن بلوغ الإنسانية إلى أقصى مدى من التقدم عقلا وجسما شرط ضروري لولادة ذلك المستحق للخلافة. لذلك كان وجوده في الحال في عالم المثال، ولكن تقدم الإنسانية سائر إلى إنتاج طبقة الأفراد المنفردين في أوصافهم الحميدة قلة أو كثرة؛ فهؤلاء سيكونون أجداده