والعلاقات الطبيعية بين الأشياء، وأسست علم نفس خيالي يرتكز على تفسير خاطئ للحوادث الطبيعية وعلى فلسفة خيالية، وبينا كان الرجل المسيحي دائبا في بناء وجود خيالي كان يهدم الوجود الحقيقي، يقاوم الطبيعة (أصل كل بلاء) في سبيل الإله (أصل كل خير وهناء)، فولدت الأوهام المسيحية من بغض الحقيقة، فهي نتيجة إنسانية منحطة، تربو فيها كمية الشقاء على كمية الفرح، إنسانية تعبة سائمة، متألمة، تميل إلى التشاؤم وعدم الحياة، ولا تجد راحتها إلا في أحضان العدم
- ٤ -
إن عمل التاريخ الأوربي هو ظفر شريعة العبيد على شريعة الأسياد، لأنه قبل تلك الشريعة وعمل على اعتناقها وكفر بهذه الشريعة. . . وإنها لمعركة لا تزال مشبوبة محتدمة عشرين قرنا بين (روما) وارثة الحضارة اليونانية ومثلها الأعلى الأرستقراطي، الذي هو أقوى مثل وأسمى مثل تحت الشمس، واليهودية موطن البغض ومنزل الروح (الكهنوتي)، انتصرت اليهودية والنهضة الحديثة التي شبت في أوروبا قامت في وجهها عثرات وعقبات، كثورة (لوثر) والبروتستانت، وكثورة الباستيل في فرنسا، وانهزام نابليون، هذه نائبات تتالت فحالت بين بلوغ النهضة غايتها، فآلت إلى انتصار شريعة العبيد، فأوروبا الآن غارقة في انحطاط عميق، يقضي على ما تبقى في عروقها من حياة، حتى ليخشى أن يتقهقر النوع الإنساني إلى الوراء، فلا يورث بعد اليوم إلا صورا من الخزي والعار
هذه هي شريعة العبيد التي تسيطر على العالم تحت اسم (ديانة الألم الإنساني)، فلنفصل الآن هذه الديانة وما تنطوي عليه
إن تحليلنا لعاطفة الشفقة التي يتبجح بها اليوم معلمو الجيل الحاضر يثبت لنا أن هذه العاطفة ليست من العدل والجمال على المثال الذي يرون. إن عاطفة الشفقة - في الحقيقة - يتولد منها سرور أناني. إذ نحن نصنع مع الآخرين الخير كما نصنع الشر. غايتنا من ذلك أن نظهر شعورنا بقوتنا، ونخضعهم لسلطتنا. أما الرجل القوي الشريف فهو يفتش عن كفء له ليبادله النضال ويحني هامته بازاء قوته، وتراه يحتقر الفريسة الذليلة السهل انقيادها، وتراه ينحرف عن الخصوم الذين لا يجد فيهم أكفاء وأمثاله. أما الضعيف فهو يميل إلى الظفر السهل، والفريسة الخانعة، وهل كان ضعيف أو شقي يوما مهيبا؟ وإن