للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا كفيل بأنا لو قلبنا كل هذه النظم رأسا على عقب وهدمناها من أسسها وأزلنا أنقاضها، ثم بنيناها على أسس جديدة من الثقة البحتة، ما خسرنا من الأموال وما خسرنا من الأزمان والأنفس ما نخسر الآن ولو كثرت اللصوص وكثر الخائنون والمزورون

هب أنا فتحنا مكتبة وأسسنا نظامها على الثقة بالموظفين والمترددين من المطالعين فاستغنينا عن مراقب واستغنينا عن مراجع واستغنينا عن مفتش وهكذا، واكتفينا بمعير للكتب و (فتى) يضع الكتب كل يوم في أماكنها، فماذا يكون الشأن وماذا يكون حسابنا في المكسب والخسارة؟ لا شك أننا سنفقد كتبا يسرقها بعض المترددين، وهذا هو كل الخسارة، ولكنا بجانب ذلك نوفر مرتبات كاتب ومراقب ومفتش، ونوفر أزمانا طويلة تصرف في عمليات الجرد والحصر، وننشر الثقة بين المطالعين، ونشعرهم بأن المكتبة في حمايتهم هم وتحت إشرافهم، فننمي فيهم الشعور بالتبعة؛ فإذا كان هذا مكسبنا وهذه كل خسارتنا، فإلى النار هذه الكتب المفقودة، وخسئت عين كل من ينظر في عمليات الحساب إليها وحدها، ولا ينظر إلى كل هذه الأرباح التي ربحناها

وهذا المثل الصغير يمكن تطبيقه تمام التطبيق على الأعمال الكبيرة في المصالح المختلفة، بل إني أشتري نشر الثقة بين الناس وتسهيل الأعمال، وشعور الناس بالطمأنينة بأي ثمن، بل لو أن التجارب دلت على أن ما نفقد من الأموال أكثر مما نربح إذا أسسنا النظم على أساس الثقة لاستمررت في تجربتي ونظريتي، وآمنت بوجوب الانتظار على هذا الأساس الجديد حتى يذهب هذا الجيل الذي أفسده النظام القديم، وقضى على نفسه وعلى شعوره، ولأنتظر جيلا جديدا نشأ في أحضان (الثقة) والشعور بالواجب وبالتبعة وبالحرية في العمل في دائرة ضيقة من القوانين المعقولة

وهكذا الشأن في جميع الأمور السياسية والاجتماعية، فثقة أفراد الحزب بعضهم ببعض - ولو مراعاة للمصلحة - أضمن للنجاح، وأقرب لتحقيق الغرض؛ وثقة الجمعية برئيسها، والرئيس بأعضائها - ولو تصنعا - أقرب لأن ينقلب التصنع خلقا

وقد رأينا - دائما - أن العدوى في المعاني كالعدوى في المحسات، فكما أن التثاؤب يبعث التثاؤب، والضحك يبعث الضحك، فكذلك الثقة تبعث الثقة وعدمها يبعث عدمها. وبعد، فلا تزال ترن في أذني كلمة سمعتها من أستاذ إنجليزي كان في الجامعة: (إذا كنتم لا تريدون

<<  <  ج:
ص:  >  >>