خفضت لهم مني جناحيْ مودة ... إلى كنف عطفاه أهلٌ ومرحب
وأرمِي وأُرمي بالعداوة أهلها ... وإني لأوذَى فيهم وأؤَنَّب
وكفة الأمويين في هذا الباب أرجح، لما تجمَّع لهم من الترغيب في المال، والترهيب بالملك، والتمليق لهوى النفوس، فمدحهم ونصرهم أكثر الشعراء في عصرهم، إما دفعا لشرهم وإما طمعا في خيرهم، حتى الذين شايعوا خصومهم من الزبيريين والعلويين لم يستطيعوا حبس لعابهم عن عطايا القصر
وقد يأتي الشعر السياسي في صورة الهجاء كما مر، وكما قال أعشى ربيعة لعبد الملك:
آل الزبير من الخلافة كالتي ... عجل النتاج بحملها فأحالها
أو كالضعاف من الحمولة حملت ... ما لا تطيق فضيعت أحمالها
قوموا إليهم لا تناموا عنهم ... كم للغواة أطلتم أمهالها
إن الخلافة فيكمو لا فيهمُ ... ما زلتمُ أركانها وثمالها
أمسوا على الخيرات قفلاً مغلقاً ... فانهض بيمينك فافتتح أقفالها
وقد يكون اقتراحا لسياسة واستطلاعا لرأي، كقول مسكين الدارمي، وقد أوعز إليه معاوية أن يقترح البيعة من بعده لابنه يزيد ليعلم رأي قومه في ذلك:
إليك أمير المؤمنين رحلتها ... تثير القطا ليلاً وهن هجود
ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر ... ومروان أم ماذا يقول سعيد
بني خلفاء الله مهلاً فإنما ... يبوئها الرحمن حيث يريد
إذا المنبر الغربي خلاه ربُّه ... فإن أمير المؤمنين يزيد
فلما أتم إنشاده قال معاوية: ننظر فيما قلت يا مسكين ونستخير الله
ومثل ذلك حدث من عبد الملك، فقد أراد أن ينقل ولايته العهد من أخيه عبد العزيز إلى أبنه الوليد، فأمر النابغة الشيباني أن يقترح ذلك في حضرة الناس فقال:
لابنك أولى بملك والده ... ونجم من قد عصاك مُطَّرح
داودُ عدْل فاحكم بسيرته ... ثم ابن حَرْب فأنهم نصحوا
وهم خيار فاعمل بسنتهمْ ... واحيَ بخير واكدح كما كدحوا
فابتسم عبد الملك ولم يتكلم، فعلم الناس أن ذلك أمره