نقول إن صحت رواية الجاحظ كان هؤلاء الشعراء والأدباء الذين كانوا يجتمعون على الشراب لقول الشعر ولا يكادون يفترقون هم الذين يمثلون الطبقة الخاصة من الناس التي ذكرها ابن المقفع في قوله (وعلى العاقل أن يجعل الناس طبقتين متباينتين ويلبس لهم لباسين مختلفين فطبقة من العامة يلبس لهم لباس انقباض وانحجاز وتحرز وتحفظ في كل كلمة وخطوة، وطبقة من الخاصة يخلع عندهم لباس التشدد ويلبس لباس الأنسة واللطف والبذلة والمفاوضة ولا يدخل في هذه الطبقة إلا واحد من ألف كلهم ذو فضل في الرأي وثقة في المودة وأمانة في السر ووفاء بالإخاء
١٢ - مات ابن المقفع باكرا، لم يمتع بالحياة؛ كان عمره ستة وثلاثين عاما يوم قتلوه؛ نعم لم يمت المسكين بل قتل حرقا بالنار. يا لهول الجريمة!!
أجمع مترجمو ابن المقفع على أن سبب مقتله كتابته أمانا لعبد الله عم المنصور قال فيه:
(. . . ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله؛ فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حل من بيعته)، فلما وقف عليه المنصور عظم عليه ذلك وقال: من كتب هذا، فقالوا له: رجل يقال له عبد الله بن المقفع يكتب لأعمامك؛ فكتب إلى سفيان بن معاوية بن مهلب بن أبي صفرة متولي البصرة يأمره بقتله، ذكروا أن سفيان كان شديد الحنق على ابن المقفع لأنه كان يعبث به وينال من أمه ولا يسميه إلا بابن المغتلمة)
وإنها لخسارة لا تعوض، وإنها لجريمة لا تغتفر، ورحم الله ابن المقفع