أرباعها بسكة الحديد إلى محطة فوكه وبعدها بالسيارات الكبيرة، وكان قد أنشأ ذاك الخط سمو الخديو السابق رغبة في تعمير تلك الناحية التي كان يمتلك جل أراضيها ويحاول إصلاحها، لكنه اعتزم أن يبيع الخط للطليان، فسارعت الحكومة بشرائه منه، ولقد سار القطار إلى جانب مستنقعات بحيرة مريوط وصحرائها الملحة طويلا، ومر بمحطة (اكنحي مريوط)، ولعل أكبر البلاد (الحمام) العاصمة التجارية لتلك الناحية، أما الأهلون فهم قليلون مشتتون في خيامهم، ولهم لهجتهم العربية المحرفة، وقد كنا نقف على المحطة فلا نرى من المساكن شيئاً سوى أبنية عمال المحطة، فنتساءل أين البلدة؟ فيقولون: ليس هناك من بلد، والأهلون متفرقون في مساحة شاسعة من الأرض حولها، ويبدو عليهم العوز والجوع، وبخاصة في هذا العام الذي تخلف فيه المطر فأجدبت منابت الشعير، وكنا نرى مساحات الأراضي التي (عزقها) أصحابها وبذروا فيها الشعير كعادتهم وتركوها حتى ينزل عليها مطر الشتاء فيسقيها، وعند اقتراب نضجها يعودون من جولاتهم الطويلة - التي قد تصل بهم إلى داخل مديرية البحيرة - ويحصدونها
وبعد مسير ثماني ساعات ونصف من الإسكندرية أشرفنا على مرسى مطروح في خليج هلالي، تقوم المباني على جوانبه في شوارع متعامدة أبعادها تكاد تكون متساوية وهندستها موحدة بسيطة، فجلها شبه مربعات من طابق واحد يكسوه الطلاء الأبيض، وقل أن تجد بناء يشذ في علوه أو لونه وهندسته، والشوارع هناك فسيحة، ويبدو عليها المظهر الصحراوي في ندرة النبت، وإن حاولت المحافظة استنبات بعض الأشجار القليلة على جوانب الطرق؛ وهناك بيت المحافظ الإنجليزي - ومطروح تعتبر عاصمة محافظة الحدود الغربية - يشرف على البحر، ويليه بيت وكيل المحافظ وسائر الموظفين. ومما يذكر للإدارة هناك بالفخر، عنايتها بالنظافة التامة، ورعاية صحة الأهلين والرقابة الخلقية عليهم؛ ولقد أعدت للموظفين نادياً صغيراً جميلاً على البحر زود بصنوف الحلوى والمرطبات وأدوات اللعب البريء وبجهاز للراديو يسري عنهم في معيشتهم المنعزلة الموحشة؛ وتضاء الشوارع بالمصابيح الكبيرة التي تقلل من وحشة سكون الليل الرهيب هنالك. وخير ما يتجلى منظر البلدة في كامل روائه من الاستراحة الحكومية التي أقيمت على النجاد التي أدت بسيارتنا إلى شاطئ خليج مطروح؛ وفي ناحية نائية من غرب مطروح مسجد أنيق