(لسيدي العوام) بطل المنطقة وقد بناه الخديو السابق كما بنى كثيراً من المساجد في بلدان خط مريوط، وكانت تقوم حوله طائفة من مساكن الأعراب فعوضتهم عنها الحكومة وأزالتها وأقامت مصيفاً يسمونه الليدو، فبدأت بنزل فاخر زودته بكافة وسائل الترف والراحة وجعلت أجر المقام به نصف جنيه في اليوم، ثم أقامت حوله بيتين صغيرين أنيقين (فلآت) لمن يريد الاستئجار. على أن عزلة المكان وبعده وافتقاره إلى وسائل اللهو قد زهد المصيفين فيه، إذ أني لم أحص في المصيف كله أكثر من عشرة أشخاص، فهو عندي خير مصطاف لطلاب الراحة البريئة والسكون الشامل وهؤلاء قليلون؛ ويخيل إلي أن تقدير الحكومة الصدقية كان خاطئاً إذ كلفته نيفاً وعشرين ألف جنيه لن يسد للدولة منها شيئاً. ولقد قال لي بعض الناس من سكان البلد إنها فكرة إنجليزية قصد بها أن يقيم على حساب الدولة مستراضاً للمارة من السادة الإنجليز في روحاتهم وغدواتهم على الحدود الغربية
وأهل البلد من الأعراب يسيرون في ثيابهم الفضفاضة، وسادتهم يطوقون كواهلهم بأحزمة بيضاء ثقيلة، ونساؤهم يسرن سافرات في ثياب حمراء فضفاضة أكمامها هائلة هادلة وهن على جانب كبير من السذاجة. تجلس في المقهى فترى الواحد منهم يدخل ويقف حولك يحدق فيك ويزوغ ببصره ثم يتسكع حولك ولا يكاد ينصرف حتى ترى غيره، وأطفالهم عراة جياع حالتهم تستدر العطف وتستنزل الرحمات ويكثر بينهم الزنوج السود وهم من عبيد السنوسية جاءوا بهم معهم بعد أن حرروهم لما أن طاردهم الطليان وأجلوهم عن ديارهم. ولأبناء السنوسي هناك مقام كبير بين الناس يكاد يبلغ حد التقديس. حدث مرة أن رأيت بيتاً فاخراً طلي باللون الأزرق على خلاف سائر بيوت البلدة فسألت أحد المارة بيت من هذا؟ فأجاب: بيت الأسياد. قلت: ومن الأسياد؟ فثار الرجل وصاح في نغمة الغاضب المستنكر: الأسياد! الأسياد! كيف لا تعرفهم هم آل السنوسي! ولهؤلاء جل أملاك المنطقة وأبنيتها. وإلى الجنوب الغربي من البلدة أقيم المطار في متسع هائل واستعداد كبير لاستقبال الطائرات المختلفة، وقد نزلت به أمامي طائرتان إحداهما للشركة الهولندية التي تقوم من هولندة وبتافيا، وهي طائرة كبيرة من الألمنيوم بها ١٤ مقعداً للمسافرين. أما الثانية فطليانية بين الإسكندرية وبني غازي وذاك خط حديث بدأ منذ أسبوعين فقط وطائرته صغيرة