وفي مطروح محطة لاسلكية أساس عملها الاتصال بالطائرات خصوصاً الهولندية. أقمت في مطروح زهاء يومين في نزل إغريقي، واليونانيون هنالك نشيطون في التجارة وبيدهم غالب سيارات النقل وحوانيت البدالة والفنادق؛ وسيارات النقل هناك تقوم لثلاث جهات: فوكة وتلك كل يوم، السلوم، واحة سيوة مرة أو مرتين في الأسبوع
إلى سيوه:
قمنا مبكرين نستقل سيارات الحدود فأخذنا نسير في صحراء لا نهائية عربت عن النبت حتى الشائك منه وإن كان مظهرها في الشتاء والربيع أبهى وأجمل إذ يكثر العشب بنواره المختلف الجميل، ولا يفتأ المسافر يمر ببقاع تنمو بها أعواد الشعير، والطريق حجري في جزئه الأول، مترب في الأخير، ويمر بمجموعة من آبار أذكر من بينها: حجفة جلاز عند الكيلو ٧٢ من مطروح - حجفة أي بئر بلغتهم - وحجفة البويب عند الكيلو ١٢٤ على مقربة من الاستراحة التي أقيمت لجلالة الملك يوم أن زار تلك الناحية سنة ١٩٢٨، ولذلك يطلقون على تلك البئر أحياناً (بئر جلالة الملك) لأنه شرب منها، ثم بئر النصف في منتصف الطريق عند الكيلو ١٥٠، والمسافة كلها ٣٠٠ كيلو متر، وغالب تلك الآبار رومانية الأصل كانوا يحفرونها تجاويف في الصخر تبطن بالأسمنت أو الآجر، وتعد بفتحات ضيقة يؤدي إليها ماء المطر عند سقوطه ليتراكم فيها، وعلى الفتحة الرئيسية باب وحارس يكلف بحفظها من الأوساخ ومن إسراف الناس في مائها، وأنت ترى طائفة كبيرة من السائمة وبخاصة الإبل تحوم حول تلك العيون وتتسكع في مرعاها عساها تشفي بعض ظمئها من الماء كلما مر بالبئر عابر، وقد كان يبدو على بعض الإبل عند بئر جِلاّز ظمأ شديد، ولم يرغب الحارس في سقيها، ولما سألناه عن السبب قال: لكي لا تنتجع تلك الناحية وتعتادها كثيراً فتضايقه، على أنا أجبرناه أن يسقيها هذه المرة إكراماً لنا ورأفةً بها
لبثنا نسير في ذاك الطريق الوعر ثماني ساعات ونصف الساعة - والسيارات الأخرى الكبيرة تقطعه في يوم كامل - وقبل دخولنا الواحة أخذنا في الهبوط تدريجياً، وظهرت مخاريط متناثرة من الربا، تمتد إلى الآفاق في منظر رائع جميل، ثم بدت الخضرة الشاحبة على بعد أمامنا، وذاك أول قبس من سيوه التي تنخفض عن سطح البحر بنحو ٢٥ متراً، ثم أخذت تفاصيل المنظر تبدو في شبه غابات من النخيل مغلقة متباعد بعضها عن بعض؛