بينها ربا أقيمت عليها المباني بعضها للحكومة والبعض للأهلين
وقفنا بباب مركز البوليس، ولقينا حضرة المأمور أحسن لقاء، وقدم لنا الاستراحة لنأوي إليها، وأظهر استعداده الجميل لمساعدتنا في جولتنا العلمية القصيرة هناك، وكان قد أوصاه بنا خيراً سعادة وكيل المحافظ وبعض إخواننا من مطروح. دخلنا دار الاستراحة وقد أقيمت فوق ربوة شاهقة تشرف على الواحة وقد زودت بالشرفات تغطيها شبابيك من السلك لمنع البعوض، وقد كانت الواحة مهددة بالملاريا منذ زمان بعيد ولا يزال لها بقية إلى اليوم - ولن أنسى جلستي في إحدى تلك الشرفات ومشهد الواحة من دوني ساحر وامتداد الصحراء رهيب، وقد عني بتلك الاستراحة عناية خاصة، لأن جلالة الملك قد نزل بها في زيارته، وبها دورة للمياه فاخرة، وفي أسفلها بعض المغارات التي كان يتعبد فيها الشيخ السنوسي الكبير في زياراته لتلك الواحة قديما، وبعد أن طارده الطليان إليها. نزلت أجوب بعض أطراف البلدة فإذا بغالب بيوتها على الربى تقام من الطين المصفر الذي يحكى الطفل، وترى البيوت وكأنها الأحجار أو المغائر بعضها ركب فوق بعض وتشبه مجموعة من حصون قديمة، وليس لها من النوافذ سوى كوى صغيرة لا تكاد تسمح لضوء الشمس أن يتخللها، ولهم العذر في ذلك، لأن لفح الصيف قاتل وبخاصة في أبريل ومايو، وقر الشتاء زمهرير، وشهور أغسطس وسبتمبر خير مواسم السنة جواً هنالك. ومن أظهر ما يسترعي نظرك وسط تلك الأبنية برج مربع يدق كلما علا ويشبه المدخنة وهو مئذنة لمسجد من مساجدهم القديمة، أما سوق البلدة ومتاجرها فأقيمت في متسعات أسفل تلك الربى وزودت بطلل من الطين وجريد النخيل، ومداخل شوارعها ضيقة مسقفة، لا تشعر بأنها طرق يباح المرور فيها