وتراخي الزمن؛ وهذه كلها مفرقعات نفسية. . . بعضها أشد من بعض كالبارود، إلى الديناميت، إلى الميلينيت؛ ولكن شوقي كان في مرتقى لم يبلغه الناقد فانقلب جهد هذا عجزاً وأصبح البارود والتراب في يده بمعنى واحد. . . .
ومن أعجب ما عجبت له من أمر هذا الناقد، أني رأيته يقرر للناس صواب الحقيقة بزعمه، فإذا هو يقرر غلطه وجهله وتعسفه. وهو في كل ما يكتب عن شوقي يكون كالذي يرى الماء العذب وعمله في إنبات الروض وتوشيته وتلوينه، فيذهب بعيبه للناس بأنه ليس هو البنزين. . . الذي يحرك السيارات والطيارات.
تناول شوقي بعد موته فجرده من الشخصية أي من حاسة الشعر ومن إدراك السر الذي لا يخلق الشاعر الحق إلا لإدراكه والكشف عن حقائقه؛ وكان فيما استدل به على ذلك أن شوقي لا يحسن وصف الربيع بمثل ما وصفه ابن الرومي في قوله:
تجدُ الوحوشُ به كفايَّتها ... والطيرُ فيه عتيدةُ الطُّعْمِ
فظباؤُه تُضحى بُمنْتَطَح ... وحمامه يضحى بمختَصمِ
وزعم أن ابن الرومي قد ولد بحاسة لم يولد بها شوقي، ولهذه الحاسة اندمج في الطبيعة فأدرك سر الربيع وأنه غليان الحياة في الأحياء، فالظباء تنتطح من الأشر الخ الخ وبنى على ذلك ناطحة سحاب. . . . لا ناطحة ظباء.
أما شوقي الشاعر الضعيف العاجز الذي لم يولد بمثل تلك الحاسة فلو أنه شهد ألف ربيع لما أحس هذا الإحساس ولا استطاع أن يجيء بمثل هذا القول المعجز. وكل ذلك من هذا الناقد جهلٌ في جهل في جهل، واعاليل بأضاليل بأباطيل؛ فابن الرومي في هذا المعنى لصٌّ لا أكثر ولا أقل، فلم يحس شيئاً ولا ابتدع ولا اخترع.
قال الجاحظ: يقال في الخصب (أي الربيع) نفَشَت العنز لأختها؛ وخلفت أرضاً تطالم معزاها (أي تتظالم). قال لأنها تنفش شعرها وتنصب روقيها في أحد شقيها فتنطح أختها وإنما ذلك من الأشر. (أي حين سمنت وأخصبت وأعجبتها نفسها).
فأنت ترى أن ابن الرومي لم يصنع شيئاً إلا أنه سرق المعنى واللفظ جميعاً، ثم جاء للقافية بهذه الزيادة السخيفة التي قاس فيها الحمام على الظباء والمعزة. . . . فاستكره الحمام على أن يختصم في زمن بعينه وهو يختصم في كل يوم. وإنما شرط الزيادة في السرقة الشعرية