أن تضاف إلى المعنى فتجعله كالمنفرد بنفسه أو كالمخترع ولعمري لو كان للطبيعة مائة صورة في الخيال الشعري، ثم قدم شوقي للناس تسعاً وتسعين منها، لقال ذلك الناقد المتعنت: لا. إلا الصورة التي لم يقدمها. . . .
وكان شعر شوقي في جزالته وسلاسته كأنما يحمل العصا لبعض الشعراء، يردهم بها عن السفسفة والتخليط والاضطراب في اللفظ والتركيب؛ فكثر الاختلال في الناشئين من بعده وجاءوا بالكلام المخلط الذي تبعث عليه رخاوة الطبع وضعف السليقة، فتراه مكشوفاً سهلاً ولكن سهولته أقبح في الذوق من جفوة الأعراب على كلامهم الوحشي المتروك.
والآفة أن أصحاب هذا المذهب يفرضون مذهبهم فرضاً على الشعر العربي كأنهم يقولون للناس: دعوا اللغة وخذونا نحن. وليس في أذهانهم إلا ما اختلط عليهم من تقليد الأدب الأوربي فكل منهم عابد الحياة، مندمج في وحدة الكون، يأخذ الطبيعة من يد الله، ويجاري اللانهاية، ويفنى في اللذة، ويعانق الفضاء، ويغني على قيثارته للنجوم؛ وبالاختصار فكل منهم مجنون لغوي. . . .
وأنا فلست أرى أكثر هذا الشعر إلا كالجيف، غير أنهم يقولون إن الجيفة لا تعد كذلك في الوجود الأعظم، بل هي فيه عمل تحليل علمي دقيق. لقد صدقوا، ولكن هل يكذب من يقول: إن الجيفة هي فساد ونتن وقذر في اعتبار وجودنا الشخصي، وجود النظر والشم، والانقباض والانبساط، وسلامة الذوق وفساد الذوق!
وكان حاسدو شوقي يحسبون أنه إذا أزيح من طريقهم ظهر تقدمهم؛ فلما أزيح من الطريق ظهر تأخرهم. . . وهذه وحدها من عجائبه رحمه الله.
وقد كان هذا الشاعر العظيم هبة ثلاثة ملوك للشعب، فهيهات ينبغ مثله إلا إذا عمل الشعب في خدمة الشعر والأدب عمل ثلاثة ملوك. . . . وهيهات.