بها أهل العراق وفارس إلا فرقةً واحدة من فرق عديدة، بعضها باق إلى اليوم، وبعضها عفى عليه التاريخ؛ فخطأ محض أن يظنوا أني كلما قلت (الشيعة) عنيتهم؛ إنما يكون لهم الحق كل الحق أن يفهموا إني أقصدهم عندما أتكلم على الإمامية أو الاثني عشرية - والمؤرخ يجب عليه أن يؤرخ الماضي كما يؤرخ الحاضر، وأن يذكر الغلاة كما يذكر المعتدلين، فإذا عاب الغلاة فليس عيبه إذا فهم قوم منه أنه يعنيهم
والناحية الثانية هي ما دعوت إليه في (مقدمة تاريخ القرآن) من إنه يجب على العلماء من الطائفتين أن يوسعوا صدرهم للنقد النزيه (ويتلقوا النتائج بصدر رحب)، فهذه شيمة العلماء حقاً، فكم أخطأ الشيعة وكم أخطأ السنيون! فواجب الباحث أن يبحث المسائل حراً طليقاً، ويتأهب للبحث وهو على الحياد بالنسبة للنتائج، فسواء خرجت النتيجة صفراء أو سوداء لا يهمه، لا أن يعتقد أولاً ثم يبحث عن البرهان الذي يؤدي إلى النتيجة التي أعتنقها من قبل، فذلك ليس شيمة العلماء المخلصين للحق. وكل ما في الأمر أن الواجب أن ينحي العامة وأشباههم عن الدخول في مثل هذه المباحث لأنهم لا يستسيغونها ولا هم متهيئون لها، وليست تنفعهم في دينهم ولا ديناهم
بهذه الروح بحثت، ولا أدعى العصمة، فقد أكون أخطأت؛ وقد وجه بعض أخواني من الشيعة نظري إلى أني حين بحثت عولت على مصادر أهل السنة أكثر مما عولت على مصادر الشيعة، وكان الواجب ألا يعتمد في كلام خصم على خصم، وأن ينظر في قول كل فرقة إلى حكاية أصحابها وخصومها معاً، ثم يمحص الحق من ذلك كله؛ وقد أصغيت إلى هذا القول واقتنعت بصحته، فلما أردت أن أكتب فصل الشيعة في الجزء الثالث من ضحى الإسلام توسعت ما وسعني في قراءة الكتب المعتمدة عند الشيعة، ولا أزال أقلبها ظهراً لبطن وأفكر فيها من وجوهها المختلفة حتى ينثلج صدري للحق وأومن بما يقوم عليه البرهان من غير تحزب لناحية - وليس يتطلب مني أكثر من ذلك. وإنما يتطلب من قادة الرأي في الشيعة والسنيين ألا يضيق صدرهم حرجاً مما يقال متى خلصت نية القائل - وعلى القائل والكاتب أن يعمد إلى الحق والحق وحده، وأن يقوله في أدب لا في تهاتر وسباب
وليس من الحق ألا يرضى الشيعة عن المؤرخ إلا إذا مجد كل عقائد الشيعة وصوبها، كما