ليس من الحق ألا يرضى السنيون عنه إلا إذا مجد كل عقائدهم وصوبها، فالمؤرخ قاض عادل لا يهمه من رضى ومن غضب، وهو لم ينصب للإرضاء والإغضاب، إنما نصب ليتعرف الحق ويجهر به
هذا ما أردت أن أقوله من الناحية العلمية، وأرى من وراء ذلك كله إلى القول بأن البحث العلمي شيء والنزاع والخصام شيء آخر، وأن البحث العلمي لا يمنع التفاهم والوئام، بل هو إذا نظر إليه النظر الواسع العالي سبب من أسباب الألفة
أما الناحية العملية في الوفاق فسهلة ميسورة متى أخلص القادة في ذلك - وهي في هذا الزمان أيسر وأسهل؛ وإذا كانت الوطنية قد استطاعت أن توفق في مصر بين الأقباط والمسلمين، وفي سوريا بين المسلمين والمسيحيين، فكيف لا تستطيع المصالح المشتركة القوية الواضحة ألا توحد بين الشيعة والسنيين وهم أهل دين واحد يجمعهم الإيمان العميق في صدورهم بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وان كل الخلاف بينهم موجات على السطح وفقاقيع في الظاهر يستغلها أهل الجاه والمال والرياسة فيوهمون أنها كل شيء في الدين، وليس ذلك بصحيح إلا إذا كانت فقاقيع الماء كل الماء، وأمواج البحر هي كل البحر، وزبد السوائل كل السوائل، والعمامة الخضراء والحمراء والبيضاء هي كل الإسلام؛ فالحق إن الإسلام أعمق من ذلك كله، وما الخلافة والنزاع عليها والفروق الخفيفة في مظاهر الوضوء والصلاة والزواج والطلاق ونحو ذلك إلا أشياء تافهة كل التفاهة بجانب القواعد الأساسية للدين، والفرق بينهما كالفرق بين مظهر الإنسان وقلبه، وبين ملبسه ومخبره. ليكن الإيمان بالأسس في القلب، ثم ليكن المظهر ما يكون، فالله ينظر إلى قلوبكم لا إلى صوركم
وليقلل علماء الدين سنيون وشيعة من تمسكهم بالمظهر ومحافظتهم على وجاهتهم في قومهم وأتباعهم وما يغله ذلك عليهم، يروا أن الوفاق أقرب ما يكون وأسهل ما يكون ويضحكوا ويبكوا من سخافات السلف والخلف الذين أثاروا النزاع على التافه وتركوا اللباب أليس من السخف أن يتقاتل طائفتان على خلاف تاريخي أكان علي أحق بالخلافة أم أبو بكر وعمر، وعلي وأبو بكر وعمر في قبورهم لا يعنون بشيء من ذلك؟ أم ليس من السخف أن يتعادى طائفتان مسلمتان تقرأن كل أسس الإسلام من أجل اختلافهما في جزيئات صغيرة في أشكال