الوضوء وما إليه؟ أم ليس من السخف ألا يقر الشيعة بعلم ولا فضل ولا فكرة ولا عمل مجيد إلا إذا صدر من شيعي؟ وألا يقر السنيون بعلم ولا فضل ولا فكرة ولا عمل مجيد إلا إذا صدر من سني؟. . لا لا أيها القوم! جعفر الصادق رجل عظيم، وأبو حنيفة رجل عظيم، فليزر شيعة العراق أبا حنيفة لعظمته، وليزر سنيو العراق مشهد الحسين لعظمته؛ والأمهات يلدن النوابغ على السواء، فلم تضن على الشيعة بنوابغ ولا على السنيين بنوابغ، كما لم تضن على الأمم الأخرى بنوابغ، فحصر كل فرقة تعظيمها لرجال فرقتها ضيق في النظر وفقر في الفكر.
وإذا زال هذا كله وأمثاله - وهي فيما أرى من البديهيات - رأينا الخلاف قد تبخر ولم يعد له أساس، ولا يبقى إلا عند المؤرخ والباحث، والمؤرخون والباحثون دائماً متصافون متى كان رائدهم الحق، وشعارهم الصدق، ولم تطوح بهم الأغراض والشهوات
ليس من وسيلة تدرأ هذا الخلاف إلا أن يتقدم علماء اليوم من الفريقين فيمحوا الآثار السيئة التي خلفها علماء الأمس
ولعل أصلح بقعة لذلك هي العراق، لأنها أشد البلاد مظهراً لهذا الخلاف، فيتعاون رؤساء الطائفتين لعقد مؤتمر في بغداد من رؤساء السنيين والشيعة، ويبحثوا وجوه الخلاف وكيف تزال في جو هادئ مخلص؛ وأسبق الطائفتين إلى هذه الدعوة أفضلهم، ولا يجعلوا للعامة والغوغاء سلطاناً، وليحذروا من أصحاب المطامع والشهوات ودسائسهم، وليجعلوا شعارهم في كل مجتمع وعند كل خلاف (مسلمون قبل كل شيء)(مسلمون قبل أن نكون شيعة وسنيين).
ولا بأس أن يدعوا قادة الفكر في مصر والشام والحجاز للاشتراك في هذا المؤتمر والتشديد في حصر أغراضه في إزالة الخلاف بين سني وشيعي، فلا يمسون أي موضوع آخر، ثم يرسمون الطريق العملي لإزالة هذا النزاع من تزاور الطائفتين، واتخاذ شعار لهذا الوفاق، وتبيين يوم يتخذ عيداً يذكر بهذا الاتحاد ونحو ذلك. إنهم إن فعلوا واخلصوا خلصوا من أكبر مشكلة يتعرض لها الطائفتان، وأمكنهم أن يوجهوا هذه القوى - العظيمة التي تذهب في الخلاف - إلى إصلاح شؤونهم الاجتماعية، واستطاعوا أن يتعاونوا على رفع مستوى قومهم، وعجبوا بعد قليل - لما يظهر من نتائج باهرة - كيف كانوا جميعاً في ظلام دامس،