ذلك بادئ بدء على فرنسا التي تزداد كل يوم تردداً وإحجاماً؛ وسنرى على أي حال نتيجة هذا الصراع في القريب العاجل؛ بيد أن الذي نريد أن نلفت النظر إليه هو أن تنفيذ هذه العقوبات بدقة سيقتضي بلا ريب تنظيم نوع من الحصار المسلح ضد الدولة المعتدية أعنى إيطاليا، وقد يقتضي القيام ببعض الإجراءات والأعمال العنيفة، وهذا أخطر ما في التجربة، فإن إيطاليا تصرح دائماً بأنها ستقابل مثل هذه الأعمال العنيفة بمثلها، وعندئذ يكون هذا الصدام الذي لا مفر منه، بدء حرب، يستحيل أن تحصر في دائرة معينة، ومن المحتوم أن تتحول في الحال إلى حرب أوربية وربما إلى حرب عالمية
- ٢ -
على أننا نترك هذه التكهنات جانباً لنبحث ناحية أخرى من الموضوع. ولنفرض أولاً أن عصبة الأمم قد وفقت في مهمتها، واستطاعت الدول المتحدة أن ترغم إيطاليا على وقف الحرب الحبشية، وأن تقنع بتسوية ودية تمنح بها بعض المزايا الاستعمارية؛ فماذا يمكن أن يترتب على هذه النتيجة من الوجهة الدولية؟ يمكن أن يترتب عليها تقرير مبدأ في منتهى الخطورة أو بعبارة أخرى تأييده من الوجهة العملية، إذ هو موجود بالفعل، وهذا المبدأ هو تحريم الحرب الاعتدائية؛ وقد نص على تحريم الحرب كأداة للسياسة القومية بمقتضى ميثاق كلوج؛ ولكن هذا الميثاق لم يكن أكثر من وثيقة نظرية؛ أما اليوم فإن تحريم الحرب يقع بصفة عملية، إذ ترغم دولة قررت عصبة الأمم أنها (معتدية) على وقف الحرب أو تعاقب على فعلتها بالمقاطعة الدولية. وهنا نستطيع أن نلمح وجه المقارنة الفقهية بين الدولة (المذنبة) وبين الفرد (المذنب) ففي القانون العام، وفي داخل المجتمع المتمدن يحرم على الفرد أن يرتكب ضد غيره عملاً من أعمال العنف، ولو وقع عليه اعتداء ما فلا يسمح له أن ينتصف لنفسه؛ ذلك لأن إقامة العدالة من حق المجتمع، والقانون العام ينظم المجتمع ويرتب حقوق الأفراد وواجباتهم، فإذا اعتدى على شخص فرد ما أو اعتدى على حقوقه، كان القانون كفيلاً بمعاقبة المعتدي، وكفيلاً برد الحق المسلوب، وإذا تقرر ذلك فما الذي يمنع من أن تشبه الدولة في جماعة الأمم بالفرد في المجتمع؟ وكما أن العنف محرم على الفرد - عدا ماله من حق الدفاع عن النفس أو المال - فكذلك يمكن أن يحرم العنف على الدولة وتحرم الحرب كأداة لتحقيق غايات السياسة القومية، وإذ كانت الحرب ما زالت