تعتبر في القانون الدولي أداة مشروعة للسياسة القومية، فإنه يمكن بتحريمها أن تغدو عملاً محرماً غير مشروع، والمقصود هنا دائماً هو الحرب الاعتدائية، وهذا ما سعى إليه الساسة الفقهاء الذين اشتركوا في وضع ميثاق تحريم الحرب أو (ميثاق كلوج)، فإذا تقرر أن الحرب محرمة، وأنها تعتبر خرقاً لمواثيق السلام وقانون الأمم، فإنه يمكن معاقبة الدولة التي تقدم عليها، إذا قررت دول العالم ممثلة في هيئة دولية عليا كعصبة الأمم، أنها دولة معتدية، وقررت بذلك أن تطبق عليها نوعاً من العقوبات يكفل ردها إلى صوابها
وهذا ما نشهده اليوم في الواقع، فإن عصبة الأمم، تقرر أن إيطاليا وهي عضو من أعضائها دولة معتدية فيما تقوم به من غزو للأراضي الحبشية، وتقرر أن تطبق عليها العقوبات الاقتصادية التي نص عليها في المادة السادسة عشرة من الميثاق، ولكنا نكرر القول بأن عصبة الأمم ما كانت لتجرؤ على اتخاذ مثل هذه الخطوة لو لم تحركها يد السياسة البريطانية القوية، وإلا فأين كانت عصبة الأمم يوم اعتداء اليابان على منشوريا والاستيلاء عليها تحت سمع العصبة وبصرها؟ وإذا كانت عصبة الأمم تستطيع كشخصية معنوية تمثل فيها إرادة الأمم أن تحكم على الدولة الممثلة فيها أولها، فمن الواضح أنه يقتضي لتنفيذ أحكامها قوة دولية أو وسائل ضغط معينة، وهذه القوة أو الوسائل أشارت إليها المادة السادسة عشرة من الميثاق، ولكنها لم تخلق أو توجد بعد، ولو لم تتقدم بريطانيا العظمى باهباتها وقوتها المسلحة مدفوعة بما تقدم من البواعث لتنفيذ العقوبات، لبقى قرار العصبة قراراً نظرياً لا سند له ولا أثر
على أن من الإسراف في التفاؤل والأمل أن نعتقد أن عصبة الأمم قد غدت محكمة الأمم العليا، وغدت ملاذ السلم الأعلى، وأن هذه الخطوة التي تقدم على اتخاذها اليوم ستغدو بالفعل مبدأ دولياً عالمياً يحتكم إليه في كل الحوادث والظروف المماثلة. إنها نظريات السلام والعدالة الدولية وحقوق الأمم تبدو في الأفق، وفي ظلها وباسمها تعمل عصبة الأمم، ولكنها القوة في الواقع تعمل من الوراء ظاهرة غير مستترة؛ وهي تعمل مسيرة بالبواعث والمصالح الخاصة التي كان من حسن الطالع أنها تتفق مع قضية العدالة الدولية والسلام العالمي؛ ولكن هل يمكن أن تجتمع مثل هذه الظروف دائماً إذا ما تعلق الأمر بإقامة الحق والعدالة الدولية؟ هذا ومن جهة أخرى فإنه من المرجح جداً أن تطور الحوادث على هذا