شِعرٌ إذا يتلى تكاد لحُسَنِهِ ... تَثبُ القلوب من الصدور تطلعا
فكأنها في كل بيت تبتغي ... نبأ عن الأحباب فيه أُودعا
فلو أن شعركَ كان سجعاً للقطا ... كاد الأراك مع القطا أن يسجعا
ومن المعاني الشعرية ما تراه شائعاً في شعر الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين ومن نهج نهجهم من التحدث إلى ما لا يفهم خطاباً، ولا يحير جواباً، كمخاطبة الأطلال الدراسة، والرسوم الطامسة، ومساءلة الديار الخالية والمغاني المقفرة عن أهلها متى رحلو؟ وأين حلو؟ والدعاء له بسقيا المطر، وأن يعود لها ما فقدته من زمان غبر، كما قال أبو تمام:
دِمنٌ ألم بها فقال سلامُ ... كم حلَّ عقدة صبره الإلمامُ
لا مرَّ يوم واحد إلاّ وفي ... أحشائه لمحلّتيك غمام
حتى تعمّمَ صَلُع هامات الرُّبى ... من نوره وتأزَّر الأهضام
ولقد أراك، فهل أراك بغبطة ... والعيش غض والزمان غلام
أعوام وصل كان ينسى طولها ... ذكرُ النوى فكأنها أيام
ثم انبرت أيامُ هجر أردفتْ ... نجوى أسىّ فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام
وقول مهيار الديلميّ:
سلمت وما الديارُ بسالماتٍ ... على عنتِ البلى يا دارَ هندِ
ولا برحتْ مفوَّفة الغوادى ... تصيب رُباك من خطأ وعمْد
بموقظة الثرى والترب هاد ... ومجدية الجنى والعام مكدي
على أنى متى مطرتْكِ عيني ... ففضلٌ ما سقاكِ الغيث بعدي
أميل إليكِ، يجذبني فؤادي ... وغيرُك - ما استقام السير - قصدي
وأشفق أن تبدّلك المطايا ... بوطأتها كأن ثراكِ خدّي
وعلة الجمال في ذلك أن قوة العاطفة قد ملأتْ قلب الشاعر وضاقت بها نفسه، وضعف عنها احتماله، فافضاها على ما حوله، وأسبغها على ما يشاهده من آثار الديار، والدِّمن القفار؛ متخيلاً أن لها ماله من قلب وكبد، وإنها تحس ما يحس، وتجد ما يجد؛ ومن ذلك أيضاً مخاطبة الحمائم على الغصون، والإفضاء إليها بما يكنه الشاعر من لوعة وشجون،