من قصيدة لصلاح الدين الصفدي كتب بها إلى صديقه جمال الدين بن نباته المصري، وقد ضمنها شطرات من معلقة امرئ القيس التي أولها: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) وجعل صدر كل بيت من شعره وعجزه من قصيدة امرئ القيس، قال:
أفي كل يوم منك عتب يسؤني ... (كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ)
وتَرمى على طول المدى متجّنياً ... (بسهميكَ في أعشار قلب مقتَّل)
فأمسِي بليل طال جنح ظلامه ... (عليّ بأنواع الهموم ليبتلى)
وأغدو كأن القلب من وقدة الجوى ... (إذا جاش فيه حَميهُ غلى مِرجَل)
تطير شظاياه بصدري كأنها ... (بأرجائه القصوى أنابيشُ عُنصُل)
وسالت دموعي من همومي ولوعتي ... (على النحر حتى بل دّمعيَ محملي)
وهي طويلة، وقد أجابه ابن نباته بقصيدة مثلها ضمنها شعر امرئ القيس أيضاً، قال:
فَطَمَت ولاَئي ثم أقبلت عاتباً ... (أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلل)
بروحيَ ألفاظ تعّرض عتبُها ... (تعّرضَ أثناء الوشاح المفصّل)
فأحيين وداً كان كالرسم عافياً ... (بسقط اللوى بين الدخّول فحومل)
تعفىِّ رياح الغدر منك رقومَه ... (لمِا نسجَتها من جنوب وشمأل)
نعم قَوِّضتْ منك المودّةُ وانقضت ... (فيا عجبا من رحلها المتحمّل)
وهي طويلة أيضاً
فهل ترى في هذا الشعر غير المقدرة على الملاءمة بين شعرهما وشعر امرئ القيس، والمهارة في التوفيق بين المعاني المتباعدة، والأغراض المتباينة؟ على أن هذه المقدرة ضائعة القيمة حقيرة الخطر إذا قيست بما جره تكلف التضمين على هذه الأبيات من تفاهة وبرود، وخلوها من روح الشعر. ولنا في هذه الفصول عودة إلى شعراء البديع وغيرهم ممن يحرصون على إظهار المقدرة اللفظية اكثر من غيرها في شعرهم.
احمد الزين