للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللظبي منها مقلتاها وجيدها ... وِفيها من الظبي التلفت والذعر

وما قيمة الحسناء يقبح حظها ... وتذوي بروض الحب أيامها الخُضْر

فما الحسن فخر للحسان وإنما ... لخالقه فيما يريد به سِرّ

ضعيفة أنفاس المنى بعد ما غدت ... رقابُ أمانيها يغلّلها الفقر

وبين خُطَى أيامها كل عَثرةٍ ... يزلزل أقدامَ الحياة بها العُسر

وزَجت بها الأحزان في بحر دمعها ... وليس لبحر الدمع في ارضنا بر

إذا استنبؤها أرسلت من دموعها ... لآلى حزن كلّ لؤلؤةَ فكرْ

وان سألوها لجَلجَت فكأنما ... عرا اللفظ لما مرّ من فمها سكْر

مشرَّدة حيرى تنازَعَ نفسها ... فريقان ذلٌ لم تعوَّده والكبرْ

إلى أن قال في هذه القصيدة يصف ما في الإنسان من شر وسوء:

رأت كل مخزاة من الشر تلتوي ... ويهرب ذعراً من جنايتها العذر

رأت أثراً تَدمى به الأرض والسما ... وليس سوى الإنسان في جرحه ظُفر

أليس يرى الإنسانُ في القرد شِبَهُه ... فهل ذاك إلا من تكبّره سُخْر

كما عاقب الله الأسود لكبرها ... فجاء لنا في صورة الأسد الهرِّ

وهي طويلة

فقد عرفت ألان نوعين من المعاني وعرفت الفرق بين المعاني الأولية والمعاني الشعرية التي هي من مقومات الشعر وأصوله فينبغي للشاعر إذا أراد أن يكون شعره مخصب المعاني، متنوع الاغراض، ان يقصد إلى المعنى قبل ألفاظ البيت وقافيته، فيمزجه بالمحسنات التي سبق ذكرها، ويهذبه تهذيباً يقربه من العواطف ليحدث فيها اثره، ويبعث الحياة فيما همد منها. وبعض الشعراء قد تعوزهم من البيت قافية فيتطلبونها قبل المعنى، ويتلمسونها قبل إعداد الغرض، فإذا ظفروا بالقافية آتوا بالمعنى على مقتضاها، فيخرج الشعر مكبلة معانيه، مظلمة نواحيه، ضيق المقاصد، قليل الأغراض؛ وكثيراً ما ترى ذلك أيضاً في شعر شعراء البديع الذين لا يقصدون من البيت أو القصيدة إلا إلى ذلك النوع البديعي الذي لا يحرك نفساً، ولا يهز حساً، فقد أجهزوا على الشعر بالحرص على هذه المحسنات اللفظية إجهازاً تاماً، وصيروا البكاء عليه في جميع الأقطار عاماً، واليك أبياتاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>