هذه الصخور القاسية؟ وأين لجسومهم العزم الذي يخوضون به هذه الركام المثلوجة التي تبهر عيونهم على قنن الجبال؟. . . ولكنهم لا يملكون لأمر قائدهم دفعاً. . . بل هو لا يملك لأمر نفسه دفعاً. وإنه ليمضي ليوفي عهد أبيه لا يكاد يفطن إلى شيء مما حوله. فها هو ذا في مقدمة الجيوش يصعد في إعياء ويسير في هينة، والجنود يتساقطون من حوله إجهادا والخيل تنبت من تحته نافقة، وهو في طريقه لا ينبس. . حتى ينتهوا إلى السهول فينحدروا إليها سراعاً.
هنا ترجع بنا الذاكرة إلي معبد (بعل) في قرطاجنة. . . تلك هي القديسة تضطرب تحت يد هملكار الذي يقدمها إلى الآلهة طاعة ونسكا. . . وتلك هي روما تضطرب تحت يد ابنه هانيبال الذي يقدمها إلى أبيه قرباناً زكياً. . وهؤلاء هم الرسل مقبلين على مدينة التلال السبعة يرجفون بالأخبار ويزعزعون العزمات من رهبة الوعيد، ويضطرب الأمر بين الرومان اضطراباً شديداً، ويقذفون بجيوشهم إلى هانيبال في شجاعة وأقدام حقيقين بالإعجاب. . والقرطاجني متربص يفني الجيوش فناء، ويبتلع القادة ابتلاعاً وهذه تربيا تشهد يوم اجبر هانيبال العدو على النزول إلى الميدان في البكرة القارسة والشمس لا تزال في خدرها، وكيف انسابت الكمائن من فرسان نوميديا على جوانب الجيش الروماني فأكلته أكلا. . . وهذه ترازمين تذكر يومها العبوس من شتاء سنة ٢١٧. . هذا هانيبال يخبئ جنوده في باطن الجبل المطل على أمواج البحيرة، ويترك منهم نفراً يناوش القنصل فلامينيوس، ويتقدم الروم ثم يندفعون اندفاعاً شديداً. . فإذا انتهوا إلي ساحل البحيرة فقد القوا أنفسهم في وابل من نبال الغال، ونار من فرسان النوميديين وإذا العدو يسد عليه طريق الرجوع، وإذا الماء يعين عليهم الخصم. . وإذا هزيمة ساحقة لم ينج منها إلا نفر مضى إلى روما يزلزل أهلها بالمصيبة النازلة، والفاجعة التي لم تذر. . وهؤلاء أهل المدينة مروعين قد انتابهم هلع شديد. . إذ ترامى إلى أسماعهم أن الرجل قاصد إليهم. . ثم هاهو ذا على أميال من روما. . ليس من الموت بد! ولكن هانيبال لا يتقدم، إنما يطوي عن المدينة ويتجه إلى الجنوب.
ترى ماذا صد هانيبال عن روما؟ كانت الحصون واهنة والجيوش منكسرة ولا يكلف الاستيلاء على المدينة الا اقل الجهد. . ولكن هانيبال كان يرجو شيئاً آخر. . كان لا يريد