صديقٌ إذا ما جئت أبغيه حاجة ... رجعت بما أبغي ووجهي بمائه
ولم يكن أبو العتاهية كما قال الفضل ممن لا يظهر عليه أثر الصنيعة، ولكنه كان يعاشر هؤلاء العظماء معاشرة الند للند، لا كما كان يفعل غيره من الشعراء المستجدين عند هؤلاء العظماء، وإنما كان البرامكة يكرهون من أبي العتاهية إيثاره الفضل ابن الربيع عليهم، وهو منافسهم السياسي في دولة الرشيد، وقد صحبه أبو العتاهية صحبة طويلة؛ ومازال الفضل من أميل الناس إليه، فلما رجع من خراسان بعد موت الرشيد دخل عليه أبو العتاهية، فأستنشده فأنشد:
أفنيت عمرك أدباراً وإقبالاً ... تبغي البنين وتبغي الأهل والمالا
الموت هولٌ فكن ما شئت ملتمساً ... من هوله حيلة أن كنت محتالا
ألم تر الملك الأمسيَّ حين مضى ... هل نال حيٌ من الدنيا كما نالا
أفناه من لم يزل يُفني القرون فقد ... أضحى وأصبح عنه الملك قد زالا
كم من ملوك مضى ريب الزمان بهم ... فأصبحوا عبراً فينا وأمثالا
فأستحسنها الفضل، وطلب إليه أن يعود إليه في وقت فراغه ليقعد معه ويأنس به، فلما كان يوم فراغه صار إليه، فبينما هو مقبل عليه يستنشده ويسأله فيحدثه إذا أنشده:
ولي الشباب فما له من حيلة ... وكسا ذؤابتي المشيبُ خِمارا
أين البرامكة الذين عهدتهم ... بالأمس أعظَم أهلها أخطارا
فلما سمع ذكر البرامكة تغير لونه، ورأى أبو العتاهية الكراهية في وجهه، فما رأى منه خيراً بعد ذلك. وقد حدث أبو العتاهية هذا الحديث الحسن بن سهل في دولة المأمون فقال له: لئن كان ذلك ضرك عند الفضل بن الربيع لقد نفعك عندنا؛ ثم أمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، وأجرى له كل شهر ثلاثة آلاف درهم، فلم يزل يقلبها دارة إلى أن مات. وكان الحسن بن سهل فارسياً مثل البرامكة، وكان الفضل بين الربيع عربي النزعة، وقد انتهت تلك العصبية بين الفرس والعرب في هذه الدولة بضياع أمرها منهما معاً.
ومن عتابه أيضاً ما كان منه لأحمد بن يوسف وكان صديقاً له فلما خدم المأمون وخص به رأى منه جفوة فكتب إليه:
أبا جعفر إن الشريف يشينُه ... تَتَاُهُهُ على الإخلاء بالوفر