ألم تر أن الفقر يُرجَى له الغنى ... وأن الغني يُخشى عليه من الفقر
فإن نلت تيهاً بالذي نلت من غني ... فإن غنايَّ في التجمل والصبر
ومن شعره في الاستعطاف إلى الرشيد وهو في سجنه:
يا رشيد الأمر أرشِدْني إلى ... وجه نجْحيِ لا عدمت الرَشدا
لا أراك الله سوءاً أبداً ... ما رأت مثَلَك عينٌ أحدا
أعِنِ الخائف وارحم صوته ... رافعاً نحوك يدعوك يدا
وإبلائي من دعاوي آِملِ ... كلما قلت تدانى بعدا
كم أمَني بغدٍ بعد غَدٍ ... ينفد العمر ولم ألق غدا
وأما الزهد والحكمة والمثل فهي الفنون التي أستفرغ فيها جهده، وأربى فيها على غيره، ونظم فيها ما استفاده من أهل العلم من السنن وسير السلف الصالح، وأشعاره في ذلك لا مثيل لها لأنها مأخوذة من كتب الدين والسنة، وما جرى من الحكم على ألسنة هذه الأمة. ومن بدائعه في ذلك أرجوزته المزدوجة التي سماها ذات الأمثال، وتبلغ في الطول ما لم يبلغه شعر قبلها، ويقال إن فيها أربعة آلاف مثل، وهي تجديد عظيم في الشعر العربي بهذا الطول البالغ فيها هذا المبلغ، وبهذه القافية التي مكنت له من المضي فيها إلى الحد، وهذا ما ذكره منها صاحب الأغاني:
حسْبكَ مما تبتغيه القوتُ ... ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيما جاوز الكفَافَا ... من أتقى الله رجا وخافا
هي المقادير فلمني أو فَذَرْ ... إن كنتُ أخطأتُ فما أخطا القدرْ
لكل ما يؤذي وإن قل أَلمْ ... ما أطولَ الليل على من لم ينم
ما أنتفع المرء بمثل عقله ... وخير ذخر المرء حسن فعله
إن الفساد ضده الصلاح ... وربّ جد جرّه المزاحُ
من جعل النمامَ عيناً هَلَكا ... مُبلغكَ الشر كباغيه لكا
إن الشباب والفراغ والجِدِهْ ... مفسدة للمرء أيُّ مفسده
يغنيك عن كل قبيح تركَه ... يرتهن الرأيَ الأصيل شكه
ما عيش من آفته بقاؤه ... نغَّص عيشاً كُلُه فناؤه