للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصفوف ويرعد، ويرغي بين المحاربين الصناديد ويزبد؛ وكان هيلانوس خير كأشفى الغيب، وعرافي الطرواديين؛ وكان حبيباً إلى الآلهة، جميل الطلعة، بسام الثغر، حتى في الحرب؛ وكان إلى ذلك حازماً موفور الحزم، صارماً شديد البأس، يقهر الغير على احترامه ولو كانوا يكبرونه سناً؛ فلما رأى هكتور يعبس تلك العبوسة القمطرير لما يحيق بجنوده من أذى، ذهب إليه قُدماً وقال:

(أي أخي! أي هكتور العظيم!).

وما كاد هكتور يسمع النداء الحبيب حتى هرع إلى أخيه يلتمس في صدره الحنون برداً لحر تلك الجحيم التي لفحت شجعان طروادة بزفيرها، وصاح به:

(هيلانوس! أنت هنا؟ أدع لنا آلهتك يا أيها العزيز! لقد كؤد النصر بعد إذ حسبناه في أيدينا أمس. . . أدع لنا آلهتك فقد عيينا بهؤلاء الهيلانيين الأبالسة!. .)

- (هكتور! أصغ إليَّ! لن تظفروا بهؤلاء مادامت مينرفا معهم تؤيدهم، وتشد أزرهم، وترد عنهم سهامكم، فتجعلها في نحوركم!!).

(هكتور! هلم إلى القصر يا أخي، فالق والدتك المرزأة ثمة، فتوسل إليها أن تذهب من فورها، مرتدية أبهى ملابسها إلى هيكل مينرفا، فلتبك عند قدمي تمثالها، ولتقدم الضحايا، ولتُقرب القرابين، ولتحرق البخور المقدس، الممزوج بالأفاويه والصندل وطيوب الهند؛ ولتنذر أن تذبح اثنتي عشرة بقرة من خير أبقار اليوم، فتتصدق بلحومها، وتهب الكهنة شحومها، إذا وعدت ربة الحكمة أن ترفع مقتها وغضبها عن طروادة!)

وألحف هيلانوس على هكتور، فألقى نظرة على المعركة، وكاد قلبه يتفطر على هذه الأشبال التي تسقط هنا وهناك، وفي كل صوب وحدب، لاقيةً حتوفها في سبيل اليوم، وذرف عبرات تذوب حناناً ورحمة، ثم لوى عنان حصانه إلى البوابة الكبرى، فدخلها وقلبه يتصدع من الهم، ووقف مرة أخرى يلقي على الساحة المضطربة نظرة قائد بجنوده جد رحيم. . .

وأنطلق إلى القصر الملكي المنيف ذي الشرفات والآكام. . .

وهناك. . . عند بوابة القصر، وتحت البلوطة الكبرى الوارفة، أجتمع حول هكتور نسوة كثيرات، هن أزواج المحاربين البواسل وأخواتهم وبناتهم، وأمهاتهم كذلك، إزدحمن حول

<<  <  ج:
ص:  >  >>