يسائلن عن رجالهم، هل أودى بهم حتف القضاء؛ واسقوا نرى الوطن العزيز من دمائهم، أم ما يزالون يناضلون الأعداء، ويردون عن طروادة حُمى البلاء؟. . .
ولكن هكتور يوشك ألا يسمع لهن، لأنه ينطلق من فوره إلى داخل القصر،. . . وها هو ذا يهرع في أبهائه العظيمة، ماراً بتلك الغرف الخمسين التي تضم أزواج أبيه وأطفالهن، ثم بالبهو الأكبر ذي العماد الشامخة، ثم بالجواسق الذهبية ذات الدُّمى والتماثيل، حتى يكون عند ردهة الملكة، فتلمحه أخته الجملية ذات المفاتن لاؤوديس فتجري إليه، وتلف ذراعيها حول ساقيه، فيتخلص منها برفق. . . وتكون والدته قد أحست وجوده فتهرع إليه، وتهتف به:
(هتكور! بُني! ماذا جاء بك هنا؟ لمن تركت الساحة يا ولدي! أهكذا تدع أبناء طروادة للموت الأحمر وتجيء إلى الحرم تنشد الراحة يا هكتور؟ لا. لا. لا أحسبك تتخلى عن جنودك لحظة. ولكن هلم إليَّ! إليك هذه الكأس من أشهى ما عصر باخوس! رَّو ظَمأتك منها وعد إلى الميدان. .)
بيد أن هكتور يتهجم تجهمة مُغضَبة، ويهتف بها:
(أماه! حاشاى يا أماه! حاشاى يا أعز الأمهات! لن تهرق الخمر بأسمي، وتلك دماء أخواني تهرق بإسم الوطن وتُراق! حاشاى يا أماه أن أتذوق قطرة واحدة من تلك الكأس، وهناك. . . في سعير المعمعة، يجرع أبناء طروادة الأعزاء كؤوس المنايا وذوب الحمام! أريقيها على مذبح مينرفا إذن! هلمي ولتك معك أزواج القادة والمحاربين جميعاً، فالبسن أبهى ثيابكن الحريرية المفتلة، وحبركن المفوفة، وانطلقن إلى هيكل مينرفا، فصلين لها، وأحرقن البخور الغالي من الأفاويه والصندل أفخر طيوب الهند، ثم أركعن عند قدمي تمثالها المعبود، وإبكين بكاء طويلاً، وسبحن بإسم آلهة الحكمة، واغسلن الأرض عندهما بدموعكن، ثم توسلن إليها أن ترفع عن الطرواديين مقتها وغضبها وأنذرن أن تقربن، لو فعلت، إثني عشرة بقرة من خير أبقار اليوم، يتصدق على الفقراء وأبناء السبيل والمعترين بلحومهن، وعلى كهنة الهيكل بشحومهن. . .
(أماه! إن لم تفعلن كما أخبرتك فلا نصر لنا. . . بل لنا الهوان والهزيمة المؤكدة. . . وعليك وعلى نساء طروادة السلام من أربابها الكرماء!. .).