جلباباً فضفاضاً من قماش يغلب على نقوشه التخطيط الأزرق، وقد ضفرت شعرها في جدائل متعددة، بعضها يتدلى إلى جانبي الرأس والبعض أمامها؛ وتنتهي الجدائل الخلفية بقطع من جلد خشن كان سبباً في أنهن لا يستطعن النوع على ظهورهن أبداً، وتزين أذنيها أقراط ثلاثة، في أسفل الأذن في طوق كبير يعلوه في وسط الأذن واحد أصغر منه، ثم يعلو هذا ثالث هو دونه حجما، وتكاد تكسو رقبها أطواق من الفضة بعضها خارج بعض، وهؤلاء لا يغسلن رأسهن إلا في فترات تعد بالأعوام، وبعضهن لم يغسلنها منذ نشأن، وذلك خشية إفساد زينة الرأس، وهن كل أسبوع يتعهدن الشعر ببعض الزيوت والأعطار، ويخيل إليَّ إن سبب تلك العادة سقوط الشعر من أثر أملاح مياه الينابيع مما نفرهن من غسله فأضحت عادة فيهن.
والسيويات جميلات الوجوه بألوانهن الخمرية وتقاطيعهن الدقيقة النحيلة. وإلى جانب السيوية كنت أرى عربية ازينت بجلبابها الأحمر، وأحاطت خصرها بحزام معوج من الأمام، وكانت تهولني أكمامها الكبيرة، ولقد خبرني الطبيب بأنه عند الكشف على إحداهن لا تضطر السيدة أن تخلع ثوبها ويكفي أن ترفع ذراعها فيظهر كل جسدها من كمها.
وللقوم لغتهم السيوية الخاصة، كنت أستمع إليها في رطانة هي أبعد من اللهجات الأوربية عنا، وقد حاولت أن أتعقب في كلماتها شيئاً يمت إلى العربية أو اللاتينية بصلة فلم أهتد إلى كلمة واحدة؛ وهم يتخاطبون بها دائماً، لكنهم إذا تحدثوا إلى الغريب تكلموا بالعربية، وأطفالهم لا يعرفون إلا اللغة السيوية. وإليك أمثلة من تلك اللغة: تلحاك أنك (كيف حالك؟)، أمقحاط:(أين تذهب؟)، سقم أنا سيط:(من أين تجيء؟)، أفتك اللون:(أفتح الشباك)، أفن شاشنك أخفنك (ألبس الطاقية على رأسك)، أفن شخشيرك في أشكنك (ألبس الجورب في رجلك) أشوُّ (الطعام) الخ. وما إلى تلك الألفاظ التي تمعن في الغرابة بالنسبة للغتنا، وحتى أسماؤهم تجد من بينها عجباً: تلشلشت، زوبَّاي، بيًّخ. ولهم تدليل خاص لبعض أسمائنا فمثلاً ينادون: أبا بكر باسم كاكال، إبراهيم باسم بابي، أحمد باسم حيدة؛ ويقال إن أصل تلك اللغة بربري ما زجتها العربية ثم الرومانية. ولا تزال للرومان هنالك بعض الآثار؛ أشهرها مبعد المشتري (جوبتر أمون)، وكان مقر الكهنة ذرعه ٣٦٠ ٣٠٠ قدم، ومن أحجاره ما يبلغ ٣٣ ٢٦ قدماً، وقد زاره الإسكندر بعد أن قاسى المتاعب الممضة وبعد أن نضب ماؤه