وأشرف على الهلاك لولا أن سقط المطر فأنجاه هو ورجاله. وكان يقوم في هذا المعبد صنم أسمه سيوح هو الذي أكسب الواحة أسمها؛ وقد زرت هذا المعبد وألفيته في حال يرثى لها، فأنت لا تكاد تجدبه حجراً قائماً على أصله وذلك من أثر أحد المأمورين الذين رأوا في أحجاره مادة صالحة لإقامة مركز البوليس، فقام يهدم المعبد ويستخدم أحجاره فيما أراد، والمفروض أنه من مثقفي القوم ومن الذين يعرفون قيمة الاحتفاظ بمثل تلك الآثار الجليلة، وهو لا يزال مأموراً إلى اليوم في ناحية أخرى من مراكز الحدود؛ عفا الله عنه وكفر له عن سيئته.
ويقال إن تلك الواحة كانت تسمى عند العرب (سنتريه)، بناها منافيوس مؤسس بلدة أخميم، أقامها من حجر أبيض وشيد وسطها ملعباً من سبع طبقات وعليه قبة من خشب على عمد من رخام، وكانت كل طبقة لطائفة من الناس على حسب مكانتهم، على إني لم أجد لكل هذا أية بقية أو أثر. وقد حاول قمبيز تدميرها وهدم معبد أمون الذي بها فهلك جيشه العظيم في طريقه إليها. ولقد زاد ذلك في قدسيتها لأنهم عزوا ذلك إلى غضب الآلهة، ولم تدخل تلك الواحة تحت حكم مصر إلا في عهد المغفور له محمد علي باشا حين أرسل إليها حسن بك الشماشرجي، حاكم البحيرة إذ ذاك، فأخضعها وتعهد بها عرب أولاد علي إلى زمن سعيد باشا ثم ضمت لمديرية البحيرة، وهم يؤدون ضريبة النخيل الحكومة، وكان مجموعها زهاء ٨٠٠ جنيه وزعت على عدد النخيل الجيد الذي يثمر البلح الصعيدي، فخص كل نخلة نحو تسعة مليمات ضريبة تدفع للدولة كل عام؛ ويكاد يكون لهم نظام حكم خاص بهم فالحكومة تكل أمرهم إلى المشايخ وعددهم سبعة يتقاضون مرتبات تتراوح بين جنيهين وأربعة كل شهر، وهؤلاء الوسطاء بين الدولة وبين الأهلين؛ وعند انتخابهم يجتمع أعيان الواحة ممن تزيد ملكيتهم على مائة نخلة وينتخبون الشيخ ولا تقل أملاكه عن ٢٥٠ نخلة؛ وغالب منازعتهم تحل بطريق التحكيم فيختار كل من الخصمين رجلين يوكل إليهما الأمر وقضاؤهما نافذ بعد عرضه على المأمور، وأساس تشريعهم القواعد التي وضعها لهم عالم أسمه محمد يوسف، وتكاد تكون وفق تقاليدهم الخاصة، إلا في الزواج والميراث فهم خاضعون لقضائنا. وعدد سكان الواحة يقرب من خمسة آلاف ليس بينهم مسيحي واحد؛ ويقولون إن أربعين رجلاً من العرب والبربر وقبيلة أغورمي وفدوا إلى تلك البقعة وأقاموا