اليهود، ولو وقفت عند هذا الحد لكانت مسألة محلية بالنسبة لألمانيا، ولكن هتلر ودعاته ذهبوا بعيداً في صوغ النظرية الجنسية، فنادوا بتفوق السلالة الجرمانية أو السلالة الشمالية (النورديكية) على جميع أجناس البشر، ووصموا الأجناس السامية كلها بالانحطاط وعدم الأهلية لإنشاء الحضارة، ونادوا بوجوب إخضاعها وتمدينها واستغلالها بواسطة الشعوب الشمالية. ومن هنا تتخذ الدعاية الهتلرية أهميتها بالنسبة للشعوب الشرقية، وهي التي وصمت بهذه الوصمة وصدر في حقها هذا الحكم؛ وقد كانت ألمانيا وما زالت مهد التعصب الجنسي، وكانت بالأخص مهد الخصومة السامية؛ ولم يأت زعيم الدولة الألمانية في ذلك بجديد في كتابه (كفاحي) الذي يحدثنا فيه طويلاً عن عناصر الانحطاط والخطر في اليهودية، فإن الثقافة التي تلقاها لا تسمح له بمناقشة هذه الشؤون العلمية والتاريخية؛ ولكنه نقل معظم أقواله من الكاتب الألماني كرستيان لاصن؛ وقد كان لاصن أول من صاغ من الخصومة السامية نظرية علمية تاريخية، وأول من تحدث عن انحطاط الأجناس السامية في كتاب نشره في منتصف القرن الماضي؛ ثم تلاه المؤرخ الفرنسي أرنست رينان؛ واتخذت نظرية الخصومة السامية من ذلك الحين شكلها الجدلي.
نكتب ذلك لمناسبة كتاب ظهر أخيراً بالإنكليزية عنوانه:(كيف التباين من الله) بقلم الكاتب الإنكليزي لويس بروان؛ وموضوع الكتاب هو الحديث عن مركز اليهود في المجتمع والإنسانية؛ وقد يبدو لأول وهلة إن المؤلف وهو يهودي يجري على نغمة الدفاع عن جنسه؛ ولكن الواقع أنه لا يبدي في ذلك حماسة خاصة؛ وإنما لب الكتاب وموضوعه الأول هو تحليل النظريات الجنسية التي ترتبت عليها الخصومة السامية؛ وشرح الأسباب التي أدت إلى تفاقمها وإلى الصراع بين اليهودية وخصومها، ويرى الكاتب أن الحركة اليهودية لم تتخذ هذه الأهمية من تلقاء نفسها، ولكنها نمت وأشتد ساعدها بسبب الاضطهاد والمطاردة؛ ويدلل الكاتب على نظريته بسير الحركات العالمية الكبرى، فالنصرانية ما كانت لتنمو وتنتشر هذا الانتشار لو لم تطارد في بدء ظهورها بعنف وقوة، وكذلك اليهودية؛ فمنذ غابر العصور كان اليهود موضع الاضطهاد والبغض والزراية، وكانوا يجلدون ويعذبون وتحرق منازلهم وتصادر أموالهم، ولكن اليهودية هي اليوم أقوى ما تكون حياة وحيوية؛ بل هي اليوم في ازدهار وتقدم، وقد نتساءل أيكون ذلك رغم الاضطهاد