للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك مع آرائنا؟ فماذا يمنع أن نفرض أن هنالك قوى غير مادية تفعل فعلها وتؤثر في مجرى الطبيعة فتنتج كل هذه الخوارق والمعجزات؟

ولكن الماديين يركبون رؤوسهم ويحاولون أن يعللوا بقوانين العلم كل شئ، فإن عجزت أمهلونا إلى المستقبل القريب أو البعيد. والعجب أن لهؤلاء الماديين (شطحات) في التفكير تدعو إلى التأمل، فأنت إذا سألتهم مثلاً كيف نشأت هذه الخلائق؟ أجابوك: تسلسلت نوعاً عن نوع وجنساً عن جنس، وأصلها كلها خلية واحدة. . . حسن! وكيف نشأت هذه الخلية الواحدة؟ إنها تولدت بطريقة تلقائية آلية من الجماد! فانظر إليهم كيف تجيز لهم عقولهم صدق هذا النبأ مع أنه على فرض أنه صحيح فقد حدث في ماض بعيد سحيق، ولم يشهده شاهد ولا سجله مسجل، ولكنهم مع ذلك يقبلونه راضين مختارين؛ ثم إذا عرضنا عليهم خارقة من خوارق الطبيعة مما يقع على مرأى منا ومسمع، أنكروها في حمق مع أنها حاضرة بين أيديهم وليست بالماضي البعيد، وهي مشاهدة ومسجلة فكانت أجدر بالتسليم والقبول من تلك (الخارقة) البعيدة_ونسميها خارقة لأنه ليس من قوانين الطبيعة فيما نظن انبعاث الحياة من الجماد! ولكن القوم يختارون من الآراء والعقائد ما يتفق مع مذهبهم، كما يتخير النساء أزياءهن لكي تلائم ألوانهن وأجسامهن.

هب يا صديقي جماعة قد ارتطمت سفينتهم على جزيرة مهجورة لا أثر للحياة فيها، ولكنهم ألفوا على أرضها آثار أقدام ليست من آثارهم هم، فبماذا يعللون هذه الظاهرة إلا أن أناساً غيرهم كانوا بالجزيرة منذ حين؟ أظن هذا منطقاً لا صعوبة فيه ولا التواء: لكل أثر مؤثر، فإن رأينا أثراً ولم نجد بيننا مؤثره أيقنا أن هذا المؤثر لا بد أن يكون موجوداً في غير مكاننا. وها نحن أولاء ننظر فنرى أنفسنا فوق هذه الجزيرة المهجورة التي تسبح بنا في الفضاء، ثم ننظر فإذا بآثار لا يحصيها العد تفرض علينا فرضاً أن أحداً غيرنا قد اتصل بهذه الجزيرة وهو يتصل بها في كل حين ليحدث هذه الآثار.

ولست أدري ماذا يضيرك أن تعلل بالعلم ما يمكن العلم أن يعلله، وأن تُرجع إلى القوة التي فوق الطبيعة كلَّ ما تصادف من خوارق ومعجزات؟ يقول الماديون إن إدخال (الله) في مجرى الطبيعة عجز وقصور عن التعليل الصحيح، ويزعمون أن الإنسان الأول كان يفسر كل شئ بقوة الآلهة لقلة محصوله من العلم، فكان إذا اكتسب شيئاً من العلم يعلل به ظاهرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>