أما بتروكلوس! فقد أقدم يتخايل فوق عربة أخيل، يجرها جواداه الأشبهان، إكسانثوس وبليوس، أعز خيل زفيروس، وأحب دوابه إليه، ولقد كان مظهره الوقور يبعث الروع في النفوس: فهذي خوذة أخيل تتألق فوق هامته، والريح العاصف تداعب شعراتها فتجعل منها بركاناً يقذف الحمم. وهذي دروع أخيل سابغة فوق الصدر والفخذين والذراعين، كأنها لبدٌ نبتت فوق حيدْ جبل شامخ ينطح السماء برَوْقيه.
وتقدم أخيل فصافحه، ومنحه شرف القيادة العامة، وخطب الجنود فقال:
(إيه أيها الميرميدون! هذا يومكم!
لقد كنتم تنظرون إلى الساحة، وبكم من الظمأ إلى اقتحامها ما لو أن بعضه بكم الآن لزلزلتم الجبال وخرقتم الأرض؛ ولقد كنتم تعذلونني فتقسون علي في أني أحتجزكم هنا ووقفت في سبيلكم دون نصرة إخوانكم، فها هو الميدان أمامكم فاشفوا صدوركم وأنقذوا أجاممنون مما حاق به، ولا يجرمنكم شنآنه ألا تغيثوه، أغيثوه فنصره عز لكم؛ شد الإله أزركم، وباركت الأرباب أسيافكم، وأحبت مجد الوطن بما أنتم قادمون عليه؛ سيروا على بركة زيوس، وفي حمى حيرا، وعين ميزفا تكلؤكم).
وانطلق الميرميدون فانطوت الأرض من تحتهم، ورجف الوادي رجفة أجفل منها السهل والجبل؛ إذ كانوا ينسابون فلا يربعون على شئ، ويتدفقون فما تحجزهم لابة، ولا يعوقهم جُرفُ، وتسجد من دونهم حزون الأرض وآكامها.
وانتظم خميسهم؛ فبرز القلب تتبعه الميمنة، تلقاءها الميسرة؛ وهرول الجناحان فأخذا السبيل على جحافل الطرواديين.
ونفخ في البوق فانقض الميرميدون على مؤخرة الأعداء الظافرين، فبدّلو نشوة ظفرهم بأنكر من سكرة الموت، وانطفأ في أبصارهم بريق النصر فكان أغطش من ظلام الهزيمة؛ ونظروا فرأوا تلك الخوذة المذهبة التي طال عهدهم بها، وحسبوا أنهم أصبحوا بنجوة منها: خوذة أخيل التي كانت تكفي وحدها لإلقاء الرعب في قلوب الطرواديين، وقذف الوجل في نفس كل منازل أو مناجز.
وتصايح بعضهم ببعض: (يا للهول يا صاح! لقد أقبل أخيل! النجاء النجاء! أين كان