ويروي الوشاء في كتابه الموشي أنه لا يحسن بالرجال لبس المصبوغ بالزعفران في مظاهر الجد لأن ذلك من لبس النساء والقيان؛ وقد يلبسه الرجال في أوقات الفصد والعجلات وأوقات الشراب، وربما استعملوا ذلك في وقت قصفهم وتظرفوا بها في مجالسهم. . . والظهور بها قبيح من السوقة مستحسن من أهل النعم وأبناء الخلفاء).
وحكى التنوخي في نشوار المحاضرة (أن الخليفة المتوكل اشتهى أن يجعل كل ما تقع عليه عينه في يوم من أيام شربه أصفر، فنصبت له قبة صندل مذهبة مجللة بديباج أصفر، مفروشة بديباج أصفر، وجعل بين يديه الدستنبور والأترج الأصفر وشراب أصفر في صواني ذهب، ولم يُحضر من جواريه إلا الصفر، عليهم ثياب قصب صفر، وكانت القبة منصوبة على بركة مرصعة يجري فيها الماء، فأمر أن يجعل في مجاري الماء إليها الزعفران على قدر ليصفر الماء، ويجري من البركة أصفر، ففعل ذلك وطال شربه فنفد ما كان عندهم من الزعفران، فاستعملوا العصفر، ولم يقدروا أنه ينفد قبل سكره فنفد، فلما لم يبق إلا قليل عرّفوه وخافوا أن يغضب إن انقطع. . . فلما أخبروه أنكر أنهم لم يشتروا أمراً عظيماً، وقال إن انقطع هذا تنغص يومي، فخذوا الثياب المعصفرة بالقصب فانقعوها في مجرى الماء ليصبغ لونه بما فيها من الصبغ. . . فحسب ما لزم ذلك من الزعفران والعصفر ومن الثياب التي هلكت فكان خمسين ألف دينار).
ونسبوا إلى أفلاطون أنه قال إن رائحة الزعفران تسكن الغضب، وإذا قرن اللون الأحمر بالأصفر تحركت القوة العشقية.
ولإعجابهم باللباس المعصفر أو المزعفر شبهوا به الخمر، فقال ابن وكيع:
فاشربْ مُعَصْفَرَةَ القميصِ سُلاَفة ... من صنعة البَرَدَان أو قُطْرَبُّلِ
وقال ابن المعتز:
لبسَتْ صفرةً فكم فتَنَت من ... أعينٍ قد رأيْنَهَا وعقول
مثل شمس الغروب تسحب ذيلا ... صبغته بزعفران الأصيل
وقال ابن الرومي في وصف شواء:
وسميطة صفراء دينارية ... ثمنا ولونا زَفَّها لك جُؤْذر
وأكثروا من مدح المرأة الصفراء واستحسنوها، ففي الأغاني أن متَيَّم الهاشمية، ومحبوبة