وترامت حريتي بهذا الخيال فجاوزت حدودها المعقولة. وبهذه الحرية الحمقاء وذلك الخيال الفاسد، كذبتْ علي الفكرة والطبيعة.
ولست جميل الطلعة إذا طالعتُ وجهي، ولكني مع ذلك معتقد أن الخطأ في المرآة. . . إذ هي لا تظهر الرجل الوضيءَ الجميل الذي في عقلي؛ ولست نابغة ولكن الرجل الذي في عقلي رجل عبقري؛ وهذا الذي في عقلي رجل متزوج فيجب عليَّ أنا الطفلَ - أن أكون رزيناَ رزيناً كوالد عشرة أولاد في المدارس العليا. . .
وذهبتُ بكل ذلك أرى زوجتي، فأغلقت الباب في وجهي واختبأت مني، فقلت في نفسي: أيها الرجل إن هذا نشوزٌ وعصيانٌ لا طاعةٌ وحب. وساءني ذلك وغمّني وكبر عليّ فأضمرت لها الغَدْر، فثبتت بذلك في ذهني صورةُ (الباب المغلق) وكأنه طلاق بيننا لا باب. . .
قال: ثم شب الرجلُ فكان بطبيعة ما في نفسه كالزوج الذي يترقَّبُ زوجته الغائبة غيبةً طويلة؛ كلُّ أيامه ظمأ على ظمأ، وكل يوم يمرّ به هو زيادة سنة في عمر شيطانه. . . وكان قد انتهى إلى مدرسته العالية وأصبح رجلَ كتب وعلوم وفكر وخيال. فعرضتْ له فتاة كاللواتي يعرضن للطلبة في المدارس العليا، ما منهن على صاحبها إلا كالخيبة في امتحان. . . بيد أن (الرجل) لم يعرف من هذه الفتاة إلا أوائل المرأة. . . ولم يكد يستشرفُ لأواخرها حتى سمِّيت على غيره فخطبت فزفَّت، زُفَّت بعد نصف زوج إلى زوج. . .
وعرف الرجل من الفلسفة التي درسها أنه يجب أن يكون حراً بأكثر مما يستطيع وبأكثر من هذا الأكثر. . . فقالها بملء فيه، وقال للحرية: أنا لك وأنت لي
قالها للحرية، فما أسرعَ ما ردت عليه الحرية بفتاة أخرى. . .
نقول نحن: وكان قد مضى على (الباب المغلق) تسع سنوات فصار منهن بين الشاب وبين زوجته العقلية تسعة أبواب مغلقة. ولكنها مع ذلك مسماةٌ له يقول أهله وأهلها (فلان وفلانة). وليس (الباب المغلق) عندهم إلا الحياء والصيانة؛ وليست الفتاةُ من ورائه إلا العفافَ المنتظِر؛ وليس الفتى إلا ابنَ الأبِ الذي سمَّى الفتاة له وحَبَسها على اسمه؛ وليست القربى إلا شريعة واجبة الحق نافذة الحكم.