أضحى تعليم التاريخ في عصرنا من أكبر العوامل في تكوين العقلية والثقافات القومية. وقد لعبت الثقافة التاريخية أكبر دور في تكوين الجيل الألماني الذي قام بالحرب الكبرى، وكانت من أهم العوامل المعنوية في إذكاء الفكرة الجرمانية. وحيثما كانت السياسة تسيطر على سير الثقافة القومية نرى التاريخ يلعب دوراً كبيراً في تكوين النشء، ويصور بالألوان التي تلائم غايات الدعاية السياسية؛ ففي إيطاليا الفاشستية وفي روسيا البلشفية، وفي ألمانيا الهتلرية، يدرس التاريخ بالأساليب السياسية، ويستعمل أداة قوية لصوغ عقول الشباب وتوجيهها نحو الآراء والنقط الحساسة التي تستطيع السياسة متى حان الوقت أن تضرب على أوتارها. ولم ينس الدعاة الهتلريون في ألمانيا هذه الحقيقة بل عملوا علة استغلالها، وأنشأت الحكومة الهتلرية معهداً جديداً للتاريخ أسمته (المعهد القومي لتاريخ ألمانيا الجديدة) وفي أنباء برلين الأخيرة أن هذا المعهد قد أفتتح بالفعل في حفلة رسمية عقدت ببهو جامعة فردريش ولهلم، وشهدها جمهور كبير من زعماء الحزب النازي ومندوبي الجامعات الألمانية. وتحدث مدير المعهد الجديد الدكتور والتر فرانك عن (الوجهة الاشتراكية الوطنية لفهم التاريخ) وأفاض في استعراض المناهج السلبية القديمة لدراسة التاريخ وحمل عليها بشدة قائلاً: (إن صراعنا العلمي ممتزج بصراع أمتنا القومي، ولسنا نستطيع أن نكون في حياتنا وفي عملنا أكثر من تعبير عقلي عن التطور العظيم والعصر العظيم اللذين اضطلع بهما أدولف هتلر)
وشرح الدكتور والتر مهمة المعهد الجديد في ميدان الدراسة التاريخية ولخصها في أربع نقط هي:
أولاً - غزو الأفكار الغربية لألمانيا منذ سنة ١٧٨٩ (أعني منذ الثورة الفرنسية) إلى سنة ١٨٤٨.
ثانياً - الحركة القومية الدينية في القرن التاسع عشر.
ثالثاً - ألمانيا وتطور الفلسفة في القرن التاسع عشر.
رابعاً - المسألة الألمانية اليهودية منذ الثورة الفرنسية إلى الثورة الألمانية الوطنية الاشتراكية.
وظاهر من هذا الشرح أن مهمة المعهد الجديد هي توجيه الدراسة التاريخية بما يتفق مع