للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم انظر إلى سحر هذه البساطة في ضد ذلك وتصوير الخوف من الوشاة والارتياع من مقالتهم؛ وشكوى الشاعر إلى حبيبته قلّة الرسل إليها، وأن الحيل قد أعوزته في لقائها، ثم إشارته بعد ذلك إلى عتابه عليها، وضراعته إليها؛ كل ذلك في بساطة ساحرة وجمال رائع يشبه جمال الأزهار التي كستها الطبيعة من ألوانها الفاتنة ما تقصُر عنه ريشةُ الفن بما تزوِّره من أصباغها الحائلة.

أريد شعر يزيد بن الطَّثرية حيث يقول:

أيا خُلة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل

أما من مقام أشتكي غربة النوى ... وخوف العدا فيه إليك سبيل

فديتكِ، أعدائي كثير، شقتي ... بعيد، وأشياعي لديك قليل

وكنت إذا ما جئتُ بعلة ... فأفنت علاتي فكيف أقول

فما كلَّ يوم بأرضك حاجةٌ ... ولا كلَّ يوم لي إليك رسول

صحائف عندي للعتاب طويتها ... ستنشر يوماً والعتاب طويل

فلا تحملي ذنبي وأنت ضعيفة ... فحمل دمي يوم الحساب ثقيل

ومثل هذه البساطة الساحرة ما تراه في شعر عبد الله بن الدُّميْنة حيث يقول:

ألا لا أرى وادي المياه يثيب ... ولا النفس عن وادي المياه تطيب

أحب هبوط الواديين وإنني ... لمشتهر بالواديين غريب

أحقاً عباد الله أن لست وارداً ... ولا صادراً إلا عليَّ رقيب

ولا زائراً فرداً ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب

وهل ريبة في أن تحن نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحن نجيب

أما جمال هذه البساطة في معاني الحنين إلى الوطن فمن أحسن ذلك قول بعض الأعراب:

أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها

بلاد بها حل الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها

وقول عبد الله بن نمير:

تعز بصبر لا وجدِّك لن ترى ... عراص الحمى إحدى الليالي الغوابر

كأن فؤادي من تذكره الحمى ... وأهم الحمى يهفو به ريش طائر

<<  <  ج:
ص:  >  >>