تستطيع أن تفسر للذهن العادي معنى المجهود الذي بذلته وتبذله الإنسانية لكشف البحار. ولقد سئمت أذني سماع سؤال واحد في الأيام الأخيرة بمناسبة البعثة الأجنبية التي تستعير السفينة الاقيانوغرافية المصرية (مباحث) للكشف العلمي بالمحيط الهندي. (ما فائدة هذه الرحلة؟)
وكان جوابي واحدا في كل مرة:(لا فائدة منها إلاّ أن تضيف كنزاً من المعرفة إلى كنوز العالم)
ما فائدة الاقيانوغرافيا
رأينا في بدء هذا المقال كيف جهد الملاحون جهدهم في تعرّف أنحاء الاقيانوسات. ولا يكفي في معارف الملاح أن يعلم باتجاهات الرياح وكيف يجد الجهات الأصلية في الليل والنهار. فهو إذا رفع نظره دائما إلى النجمة القطبية كان نصيبه من البحر نصيب ملاح (الراين) في أنشودة هايني (لوريلاي) إذ تأسر بصره الجميلة الجالسة عند أعلى الصخرة تمشط شعرها الذهبي، فإذا بقاربه يرتطم بالصخور ويتحطم.
فالملاح يجب أن يعرف من أعماق البحر ما يقيه شر المياه الضحلة لذا كان سبر الأعماق من أقدم ما قام به الإنسان من دراسة اقيانوغرافية. على أنه إذا كان سبر الغور هاما قرب الشواطئ وما إليها من مواضع قريبة القاع، فلم يكن يهم الملاح أن يعرف اعمق ما يصل إليه البحر. ويغلب على الظن أنه كان يعتقد بأن غوره في بعض الجهات لا نهائي كالجو. وأول محاولة سجلها التاريخ لقياس الأعماق البعيدة هي ما قام به ماجلان، إذ دخل المضيق المعروف الآن باسمه وأدلى مقياس أعماقه وهو ثقل معلق بحبل لا يزيد طوله على بضع مئات من الأمتار، فلم يرتكز الثقل على قاع، ولذا اعتقد انه وصل إلى أعمق بقعة في المحيط. والواقع أن العمق في مضيق ماجلان لا يتجاوز ٤٠٠٠ متر في حين انه اكتشفت أعماق أبعد من هذا (نحو ١٠٠٠٠ متر).
كذا يهم الملاح معرفة نوع القاع في الأعماق القريبة. وقد روى هيرودوت خبر العلامة التي يعرف بها الملاحون اقترابهم من شاطئ مصر (وهو شاطئ منخفض لا يرى إلاّ عن قرب) فهم إذا عاد ثقل مقياس الغور محاطا بالطين وسجل عمق أحد عشر ذراعا عرفوا انهم على مسيرة يوم من شواطئ مصر.