بن عبدون - صاحب القصيدة المشهورة التي يرثى بها بني الأفطس من ملوك الطوائف والتي مطلعها:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصوَر
(وسترى تراجم هؤلاء الأفاضل قريباً) في جماعة يكثر ذكرهم. إلى أن قال: ولم يزل أبو عبد الله بن أبي الخصال وأخوه أبو مروان كاتبين لأمير المسلمين إلى أن أخّرَ أمير المسلمين أبا مروان عن الكتابة لموجدة كانت منه عليه سببها انه أمره وأخاه أبا عبد الله أن يكتبا عنه إلى جند بلنسية حين تخاذلوا وتواكلوا حتى هزمهم ابن ردمير هزيمة قبيحة، فكتب أبو عبد الله رسالته المشهورة في ذلك وهي رسالة كاد أهل الأندلس قاطبة أن يحفظوها احسن فيها ما شاء، منعني من إيرادها ما فيها من الطول: وكتب أبو مروان رسالة في ذلك الغرض افحش فيها على المرابطين واغلظ لهم في القول اكثر من الحاجة؛ فمن فصولها قوله: أي بني اللئيمة، وأعيار الهزيمة، آلام يزيفكم الناقد، ويردكم الفارس الواحد؛ فليت لكم بارتباط الخيول ضأناً لها حالب قاعد، لقد آن أن نوسعكم عقابا، وألا تَلُوثوا على وجه نقاباً، وان نعيدكم إلى صحرائكم، ونطهر الجزيرة من رحضائكم. . . في أمثال لهذا القول فاحنق ذلك أمير المسلمين وأخره عن كتابته وقال لأبي عبد الله أخيه: كنا في شك من بغض أبي مروان المرابطين والآن قد صح عندنا. فلما رأى ذلك أبو عبد الله استعفاه فأعفاه، ورجع إلى قرطبة بعد ما مات أخوه أبو مروان بمراكش وأقام هو بقرطبة، ثم قال: واختلت حال أمير المسلمين بعد الخمسمائة اختلالا شديدا فظهرت في بلاده مناكر كثيرة، وذلك لاستيلاء أكابر المرابطين على البلاد ودعواهم الاستبداد وانتهوا في ذلك إلى التصريح فصار كل منهم يصرح بأنه خير من علي أمير المسلمين وأحق بالأمر منه. . . وأمير المسلمين في ذلك كله يتزيد تغفله ويقوى ضعفه، وقنع باسم إمرة المسلمين وبما يرفع إليه من الخراج وعكف على العبادة والتبتل فكان يقوم الليل ويصوم النهار مشتهراً عنه ذلك وأهمل أمور الرعية غاية الإهمال فاختل لذلك عليه كثير من بلاد الأندلس.
نجم أبو نصر الفتح بن خاقان في هذا العصر الذي هو كما أسلفنا من خير العصور لأندلسية من ناحية الثقافة واكتظاظ الأندلس بالعلماء والأدباء والفلاسفة والشعراء، وفي الوقت ذاته هو من شر العصور إذ كان عصرا سياسيا سخيفا كما ترى.